بسبب سوء التغطية، رداءة الشبكة أو ضغط الاتصالات، من الوارد جدا تلقي مكالمات أو رسائل نصية بالخطأ. يتلقى عدد ليس بقليل من الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي، دعوات للتواصل أحيانا بأسلوب لحوح وبجسارة تصل إلى الفظاظة، حتى بلغ الأمر لدى بعض المتطفّلين أو الطُّفَيْليّين درجة الإضافة إلى مجموعات ما أنزل الله بها من سلطان اسما وموضوعا، غير تلك التي يتم المخاجلة فيها على أسس دينية أو وطنية في مواسم يحسن البعض استغلالها.
صحيح أن «العُرف أقوى من القانون»، لكن التوافق العام في العالم، هو أن الخطأ مردود، سيما إن كان الكسب أو الضرر فادحا، وعلى نحو غير منطقي. كتلقّي من لا يتجاوز حسابه البنكي مثلا ألف دينار ودخله محدود أو متقطّع، حوالة بعشرات ألوف الدنانير أو عملات شقيقة أو صديقة تضاهي «العملات الصعبة»!
قطعا ثمة مسؤولية جنائية حتى وإن تم استرداد المبلغ كاملا بعد اكتشاف الغلط. من البديهي، عدم أحقية لذلك الشخص بالتصرف بذلك المال أو مجرد السكوت عن تلقيه بغير وجه حق. كذلك الحال بالنسبة للرسائل النصية التي تصل إلى «غريب» إن كانت في الأصل رسائل خاصة بين أفراد أسرة أو زملاء شركة أو حتى مجرد دردشة بين طلبة مدارس مراهقين متخاصمين على لعبة فيديو!
من المفترض أن يكون أكثر الناس ائتمانا على المال المحاسبون والمدققون الماليون والقائمون على الخزنات والمصارف. ومن المنظور عينه، أجدى الناس باحترام الخصوصية وأمانة الكلمة والمعلومة هم الصحفيون والقائمون على تحمّل أمانة الإعلام وأداء رسالته. فتلك مسألة لا تحتمل الزعم بسبق صحفي، ولا ممارسة دور البطل المزعوم الذي كسّر حواجز الصمت وهشّم أسوار الخوف! للأسف أساء نفر ممن ينتسبون إلى هذه المهنة النبيلة، باسم سرية المصادر والسبق الصحافي والأخبار المثيرة والحصرية والعواجل، وبدعة الصحافة المرافِقة -المنضوية «إمبِدِد جيرنَلِزم» في صفوف الأطراف المتحاربة حتى وإن كانت نظما مارقة أو تنظيمات إرهابية وعصابات إجرامية، أساءوا لصورة الصحافة فجعلوا من رسالة «مهنة البحث عن المتاعب» صنعة أو بالأحرى سلعة البحث عن المكاسب!
فساد المنتسبين لأي مهنة فيه أذى للآخرين، لكن بعض المهن فساد منتسبيها بالغ الضرر وفادح الأثر، إلى حد يتجاوز الفساد إلى الإفساد. قد يصح تسمية الصحافة الحرة النزيهة المسؤولة بأسماء برّاقة من طراز «السلطة الرابعة»، لكن دور الصحفي ورسالته في الأساس هي خدمة الحقيقة ولا شيء غيرها. لا مالك المؤسسة أو الشركة الصحفية ولا الجمهور ولا السلطات أي سلطات! ومن باب أولى، الصحافة ليست سلطة رابعة ولا تزاحم أيا من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وإلا سقط أهم مبدأ في الديموقراطية وهو الفصل بين السلطات!
وفيما يهوى البعض تسميته «فضيحة ووتر غيت الثانية»، من المفيد الانتباه إلى أن مصدرها هو «صحفي» ذي سجل حافل بالأخبار الكاذبة والمضللة. التوقيت يفضح النوايا، حيث تم تفجير الفضيحة عشية انعقاد لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، لبحث «تهديدات العالم» كما تراها واشنطن. تأخير «التسريب» أو «السبق الصحفي» من منتصف آذار إلى الرابع والعشرين من مارس لا يعني إلا هجوما منسقا بعناية شنه اليسار عبر الصحافة مرة أخرى على إدارة دونالد ترمب الذي بات خبيرا في التعامل مع من وصفهم بأعداء «الأمة الأمريكية»، أولئك الذي يتعمدون سياسات التزييف والتضليل والتحشيد والتشتيت بعد شهرين حافلين بالإنجاز كما تراها الإدارة والجموريين وحركة «ماغا» على وجه الخصوص. سجلّ جيفري غولدبيرغ رئيس تحرير «ذِ أتلانتك» التي وصفها ترمب بالخاسرة والمفلسة، سجل غولدبيرغ حافل بالأخبار الكاذبة المتواطئة مع تيار اليسار المتطرف والعولمة ودعاة الحروب (تغيير النظم وبناء الأمم) من الحزبين الجمهوري والديموقراطي. من ضمن تلك الملفات التي تورط بها شخصيا، أخبار ملفقة عن علاقة ترمب بروسيا، ومكافآت قتل جنود أمريكيين في أفغانستان بتمويل روسي، والافتراء على ترمب بإساءته للمحاربي القدامى والجرحى العسكريين، إضافة إلى الادعاء بأن ترمب يريد جنرالات من حوله كالذين كانوا حول هتلر!
لا بل إن العداء المستحكم، يرجع إلى ما قبل ولاية ترمب الأولى وحتى حربي أفغانستان والعراق، عندما زعم غولدبيرغ وروّج لتعاون ثبت افتراؤه جملة وتفصيلا، بين الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وتنظيم القاعدة، والذي شكّل إضافة إلى مزاعم أسلحة الدمار الشامل، المبرر السياسي والأخلاقي لإسقاط النظام وغزو العراق.
محزن مؤسف الاختطاف الذي تعرضت له إحدى أنبل وأخطر المهن في عالم اليوم. لعلها فرصة تتجاوز التدقيق السيبراني الذي يساعد على التحقيق فيه الآن إيلون ماسك، إلى التدقيق الأمني المشدد لمن يُمنح حق مزاولة مهنة الصحافة. فما جرى خطأ تحمل مسؤوليته بالكامل مايك والتز مستشار الأمن القومي للرئيس وما زال موضع ثقته، كون والتز هو الذي قام بإنشاء المجموعة التي بحثت عبر تطبيق «سغنال» ملف الحوثيين. والتحقيق جار بشكل حثيث سيبرانيا وأمنيا، لمعرفة ما إن كان الخطأ خطأ أحد مساعديه الفنيين -وسط شائعة بلغت حد الاتهام بخيانة الأمانة- أم اختراق (من/أو) بواسطة غولدبيرغ!
ليس سرا أن للصحفيين كما لغيرهم مراتب ودرجات للتقييم الأمني، خاصة أولئك القريبين من كبار المسؤولين أو العاملين لدى جهات حساسة من القطاعين العام والخاص، لكن توالي حوادث الخلط بين ما هو صحفي وأمني وسياسي حتى في أعرق الديموقراطيات، يستوجب المراجعة الدورية للمؤتمنين على الكلمة والصورة. فرغم قداسة ومكانة مهن عظيمة كالقضاء والتعليم والصحافة وقادة المجتمع خاصة المؤسسات الدينية، إلا أنها ليست استثناء من الرقابة -الإيجابية الحميدة إن جاز التعبير- حتى تحميها ممن هم خارج المهنة وأحيانا خارج التغطية كليا.. ولنا فيما جرى في «الربيع العربي» المزعوم عبرة كيف تحول الصحفي إلى ناشط وكيف كان كثير من الناشطين والمؤثرين مأجورين بكل ما تعني الكلمة من معنى.
وبالعودة إلى العنوان، رصد بعض الإشعارات البنكية والحسابات والحوالات المصرفية، كفيل بتجلية كثير من الأمور. يقال تتبّعْ المال، فتعرف من هو «المايسترو» الخفي لكثير من الفرقعات الإعلامية!
إشعار بنكي صحفي!* بشار جرار
5
المقالة السابقة