عروبة الإخباري – الدكتورة العلامة فلك مصطفى الرافعي –
رغم الرعب من شيطان حسبه ” شارلمان ” أنه يسكن الساعة ذات الرنّة الموسيقية و التي أهداها له الخليفة “هارون الرشيد ,” ، و رغم مئات الاختراعات و الاكتشافات من ” ابن سينا ” إلى ” الرازي ” و ” الخوارزمي ” و ” ابن الهيثم ” ،و سيل دافق من اعلام رفدوا الدنيا بالحضارة و المدنية و الموسوعات الأدبية و العلمية ، يبدو اليوم العقل العربي معطّلا عن مقاربة اي استنباط ، بل نام الشرق على نعمة التقليد الأعمى من غرب يسوّق بضاعته لقوم اغناهم الله سبحانه وتعالى ، فاستغنوا عن العقل و استراحوا على فائض أموالهم ليرتدوا و يتزيّنوا وفق ما يرِدَهم قسرا من ىيوتات الأزياء العالمية التي تتفنن بإمتصاص أموالنا حتى النفٓس الأخير …و بدلا من اخذ بدل أتعاب التسويق للماركات العالمية ، ندفع برحابة صدر ثمن استهلاكها و التباهي بها ، و الغرب ما زال يرمينا بصفة ” الجمل ، الخيمة ، النخلة و كثبان الرمل ” ، و نحاول بجهد.كبير أن نقول لهم اعطونا ذوقكم فقد استعضنا عن ازيائنا التي من الممكن أن نواكب بها العصر على طريقتنا ، و لكن ننتظر منكم الجديد و لو اضطررنا أن نسجن ابو العلاء و الفارابي و البحتري في أقبية الرطوبة ،،،
توقف العقل العربي عن مجرد صناعة شاحن كهربائي لاجهزتنا الخليوية التي يفرض مبتكرها اثمانا باهظة ، و نقف بالطابور لحجز نسخة من الاختراع الجديد ، و نكون بذلك قد ادخلنا العولمة بيوتنا بكل خصوصيتها في موازين الخير و الشر … حتى البرامج التلفزيونية نبذناها من أجهزتنا و سَخِرنا من مسلسلاتنا ، لنتسمّر أمام ما يَرِدنا من ” المكسيك و الهند و تركيا “و ربّما من آخر جزيرة يتيمة في خاصرة أىّ محيط…
حتى البرامج الفنية لإختيار أفضل الاصوات أو التي تعتمد على نظام المعلومة و المسابقات دفعنا ثمن حق تقليدها ، مع القبول بكل شروط الغرب من المحافظة على مشهد الديكور و كرسي المذيع و الاضواء و مقاعد الجمهور و طريقة السؤال و طرائق التنكيت و الاستهزاء و الرفض و القبول . و يصح القول أننا بكل مكوّناتنا صرنا نسخة مقلّدة عمّا يُصدّره الغرب لنا مع اليقين أن تلميذا ثانويا يستطيع أن يؤلف برنامجا ثقافيا أو غنائيا أو علميا لغنى تاريخنا و موقعنا و ثقافتنا ، و لكن يبدو أنه قد صدق من قال : ” كل شي فرنجي برنجي ” … و مرحى للصين التي سخِرت من أسماء لامعة في الأزياء و الأقلام و الولّاعات فقلدتها على طريقتها ، و جنَت ثروات هائلة و صفعت الغرب لأنها لا تدفع ثمن التسويق بل فرضت سوقا لمنتجاتها المقلّدة …
لقد شبعنا و تعبنا من المستورد !! و منعا للإستفاضة أكتفي بإنتقاد التقليد الأعمى ، فلنا شخصيتنا و ثقافتنا ، و نريد فعلا أن نتعاطى مع من يشبهنا فيها ، لا بمن يحمل في حقائبه كل المسلسلات و البرامج و يأتينا بها و يقنص الأوسمة و يرسم نفسه بطلا و قائدا في التقليد ..
نقلّد ؟؟ نعم !! ذلك الفارس الذي صادف في جوف الصحراء رجلا طلب إليه أن ينقله معه إلى البادية فَقَبِل ، ثم استعطفه ليُعينه على امتطاء الدابّة لعجز فيه ففعل ، و ما أن استوى على الجواد حتى وكزه منطلقا يسابق الريح ، تاركا صاحب المروءة الذي استصرخه قائلا : إذهب حيث شئت و لكن لا تقل ما فعلته بي حتى لا تضيع النخوة من رؤوس العرب … !!
نقلّد ؟؟ نعم !! ذلك الحاكم الذي يتخفّى ليلا متفقدا رعيته ، يُطعم من باتَ على طوى ، و يُكسي من عِريِ ..!!
نقلّد ؟؟ نعم !! اولئك الكبار الذين كدّوا و جاهدوا لحل مشاكل الأمّة ،و نتبنى كل الكفاءات و الإبداعات و لا نسمح للعالم أن يسرقها برفع سقف الراتب و رغد العيش ..
بين التقليد الأعمى و التقليد الأسمى ، أمّة تكاد تضيع إن لم نأخذ بالأسباب و نعالج مشاكلنا .
…. حتى الإبتسامة صارت تقليدا يُباع في أسواقنا