ليس غريبًا على القطاع الخاص، ممثلاً بالبنوك وبشركة الفوسفات الأردنية، وغيرها من الصروح الوطنية الاقتصادية، أن يقف مع الوطن في الأوقات الحرجة، وفي كل الأوقات. فلا نزال نذكر، بعظيم الفخر والاعتزاز، وقفة القطاع الخاص الصناعي والتجاري والمصرفي وباقي القطاعات مع الوطن خلال جائحة كورونا في عام 2020، ولا نزال نرى وقفة القطاع الخاص مع الوطن وخلف قائد الوطن، بدعم الموقف الأردني الثابت والصامد ضد العدوان على غزة وفلسطين، حيث لا تزال صور الدعم والمساعدات ماثلة أمام الجميع، من خلال تقديم العون للأشقاء في غزة وفلسطين، وفي الوقت نفسه دعم الاقتصاد الأردني الكلي ليبقى أنموذج نجاح يُشار إليه بالبنان.
وقفة القطاع الخاص خلال جائحة كورونا جعلت أرفف المولات والأسواق عامرة بجميع الأصناف التي يحتاجها المواطن، دون نقص في الكميات أو زيادة في الأسعار، في الوقت الذي اختفت فيه كثير من الأصناف أو تضاعف سعرها -إن وُجدت- في العديد من دول العالم.
اقتصادنا الوطني يبرز في الأزمات، فيواجهها بقوة واقتدار، بفضل سياستين مالية ونقدية حصيفتين حافظتا على صمود الاقتصاد الوطني، وراهنتا على وعي ودعم وإسناد القطاع الخاص، الذي تُعوِّل عليه جميع مستهدفات «رؤية التحديث الاقتصادي 2033»، خصوصًا ما يتعلق بالركائز الرئيسة، وهي: رفع معدلات النمو، وخلق مليون وظيفة، وصولًا إلى رضا المواطن.
القطاع الخاص الأردني تقع عليه مسؤولية رفع معدلات النمو -بالشراكة مع القطاع العام- إلى نحو 5.6% بحلول عام 2033، كما تقع على عاتقه مسؤولية خلق نحو 85% من الوظائف الدائمة. لذلك، فمن المؤكد أنه لا اقتصاد دون قطاع خاص صلب وقوي يقف مع الدولة، خصوصًا في الأوقات الحرجة.
أسوق هذه المقدمة لأشير مباشرةً إلى مبادرة البنوك في الأردن، التي تم إطلاقها مؤخرًا برعاية رئيس الوزراء، الدكتور جعفر حسان، وتحت مظلة جمعية البنوك في الأردن، وبمباركة من البنك المركزي، حيث تقدِّم البنوك، بموجبها وضمن مسؤوليتها المجتمعية، مبلغ 90 مليون دينار للقطاعين التعليمي والصحي على مدى ثلاث سنوات.
أما شركة الفوسفات الأردنية، فقد أطلقت -أمس الأول- وبرعاية رئيس الوزراء، مبادرة قدَّمت من خلالها مبلغ 40 مليون دينار ضمن مسؤوليتها المجتمعية، وعلى مدى السنوات الثلاث المقبلة، دعمًا للقطاعين الصحي والتعليمي. وهي تأتي، كما قال رئيس مجلس إدارة الشركة، الدكتور محمد الذنيبات، تأكيدًا لالتزامها الوطني التنموي الاجتماعي.
أهمية هذه المبادرات، بالإضافة إلى كل ما كُتب وسيُكتب حولها، وفي هذا التوقيت بالذات، تكمن في النقاط التالية:
1 – هي رسالة للعالم بأن الاقتصاد الأردني قوي وصامد، ولا تهزه رياح «تجميد المساعدات الأمريكية» أو حتى وقفها، أو التخلي عن دعم مشاريع كانت تمولها الـ USAID، فلدينا قطاع خاص قادر على إسناد المشاريع الحكومية والوقوف مع الوطن والمواطنين، بغض النظر عن النسبة التي تغطيها هذه المساهمات من إجمالي الاحتياجات الحقيقية.
2 – هذه المبادرات خطوة مهمة نحو البدء بجدية ومؤسسية أكبر في الاعتماد على الذات.
3 – هي رسالة بالغة الأهمية للمنظمات الاقتصادية الدولية، تؤكد أن الاقتصاد الأردني -وبشهادة مسبقة من هذه المنظمات- قوي وقادر على مواجهة التحديات. ومن هنا جاء قرار وكالة التصنيف الائتماني العالمية «ستاندرد آند بورز» مؤخرًا بتثبيت تصنيف الأردن عند -BB، حتى مع قرار تجميد المساعدات الأمريكية.
*باختصار: نتطلع إلى أن تحذو باقي الشركات الكبرى حذو البنوك والفوسفات في هذه المبادرة، فموقف القطاع الخاص الأردني -كما هو دائمًا- موقف مشرف، منحاز للوطن، ولقائد الوطن، وللمواطنين، ورافعة من روافع نجاح السياستين المالية والنقدية. ورغم ما يقدمه القطاع الخاص عبر مسيرته الطويلة، خصوصًا فيما يتعلق بالمسؤولية المجتمعية، إلا أن ذلك لا يمنع من أهمية، بل وضرورة، مأسسة هذا العمل ضمن نطاق المسؤولية المجتمعية، وكما أشار رئيس الوزراء، الدكتور جعفر حسان، فإن المسؤولية المجتمعية هي الوجه الآخر لمثلث الشراكة الحقيقي بين القطاعين الخاص والعام والمجتمع المحلي.
البنوك، الفوسفات… وقفة مع الوطن* عوني الداوود
6
المقالة السابقة