يفضل الأردن العيش في إقليم مستقر، فالدول محدودة الموارد مثل بلدنا لا تحتمل بيئة إقليمية مضطربة. لكن حظوظ الأردن لم تسعفه لتحقيق هذا المبتغى. منذ بداية الألفية الجديدة، والمنطقة من حولنا تعيش أهوالا لا تعد ولا تحصى.حدود الأشقاء كانت سياجا من نار. وعلى مرمى البصر كنا نتحسس الأخطار وهي تحاك ضدنا. الفوضى عادة ما تستدعي المزيد منها وتغري أتباعها بتصديرها لجني أكبر قدر ممكن من المكاسب.
ذلك ما جعل الأردنيين في حالة استنفار وتأهب خوفا على بلدهم. وفي محطات عديدة بدا وكأن بعضنا يفقد الثقة بقدرتنا على الصمود. العالم من حولنا يسأل دائما عن سر الاستقرار في الأردن كلما جاءت سيرة المنطقة. البعض كان يقول وهو في حيرة من أمره، كيف لبلد بلا موارد كبيرة أن يتجنب الفوضى، فيما دول غنية تسقط في دوامة العنف والاقتتال.
ولأن الاستقرار الداخلي هو عنوان السياسة الأردنية، حرص الأردن على مد يد المساعدة للأشقاء من حوله لا حبا فيهم فحسب، وإنما حرصا على أمنه الداخلي. وليس سرا أن القيادة الأردنية لم تكن تراهن كثيرا على النظام العربي الرسمي لإدارة أزمات المنطقة وحلها، ولجأت عوضا عن ذلك إلى بناء شراكات مع دول النفوذ والتأثير في المنطقة العربية لتعويض الخلل المزمن في منظومة الجامعة العربية.
أسهم هذا الشكل من الدبلوماسية في احتواء تداعيات الإقليم على الأردن، وخلق شبكات تعاون تخفف من وطأة التحديات المحيطة بنا. ولهذا لم يواجه الأردن خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية لحظة واحدة يشعر معها بأن خطر الفوضى بات وشيكا.
الاستقرار، ومع مرور الوقت، أصبح مشروعا وطنيا والعنصر الأساس في عملية التنمية والتقدم. والحافز أو المحرك لتحدي حقائق الجغرافيا ونقص الموارد وأخطار الإقليم لتقديم نموذج أردني، أظن أننا لم نستثمر فيه بعد بالشكل الكافي.
السنوات القليلة الماضية، وما تحمل التطورات السياسية الدولية الحالية من تحولات عالمية ثورية سيكون لها وقعها على منطقتنا، وهي تفيدنا بدرس واحد أساسي، أنه لا بديل عن مشروعنا الوطني الخاص وعنوانه الاستقرار والأمن للسير في طريق الحداثة والتنمية والتقدم والاعتماد على الذات.
الحلفاء التاريخيون للأردن صاروا أكثر وضوحا في رؤيتهم لنا ولغيرنا من دول المنطقة، ولسان حالهم يقول إن كنتم قادرين على إدارة شؤونكم بكفاءة كما هو حالنا في الأردن حاليا، وحافظتم على الاستقرار وأسهمتم في تبني سياسات بناءة إقليما ستنالوا دعمنا. خلاف ذلك، فإن الصداقة التاريخية لا معنى لها مع دول غير قادرة على إدارة نفسها لأنها ستصبح عبئا على الحليف.
الأردن اجتاز امتحان الكفاءة؛ في زمن الربيع العربي وفي عهد الحرب على الإرهاب، وفي أزمات العالم الاقتصادية. كان في كل هذه المحطات بلدا قادرا ومستعدا للمضي إلى الأمام.
يبدو أننا وفي هذا الأوقات على أعتاب اختبار كفاءة جديد لقدرتنا، خاصة مع السياسات الجديدة التي تتبناها الإدارة الأميركية والتحولات الجذرية في السياسة الإسرائيلية، مايتطلب الاستعداد لاجتياز هذه المرحلة بنجاح كما فعلنا من قبل.