عروبة الإخباري – طلال السكر –
مجدداً وعودة على بدء، تصر الدكتورة العلامة، فلك مصطفى الرافعي، على اثارة القريحة بقوة السرد التاريخي العريق مقارنة مع الحاضر الذي يحمل في طياته بعض السلبيات التي تشوه الحياة اليومية بعديد البلاد العربية، من مظاهر الفساد وسرقة المال العام، وحتى المال الخاص من قبل بعض من ارتدوا ملابس الخداع وقناع الزيف والكذب والتدليس، وبيع الوهم لكثيرين من الابرياء، حتى استطاعوا النيل منهم وسرقة مالهم بأكثر من طريقة.
فقد جاء مقال الدكتورة الرافعي ليضع أمام القارئ مقاربة ثقافية وإنسانية بين “عروة بن الورد” أمير الصعاليك، و”روبن هود” فارس الغابة الأسطوري، وأرسين لوبين اللص الظريف، متتبعًا خيطًا مشتركًا من البطولة الشعبية التي تتحدى الظلم الاجتماعي.
القوة السردية للمقال
تميز المقال بأسلوب سردي مشوق، متكئًا على قوة التاريخ والمقارنة بين الشرق والغرب، حيث أبرزت الكاتبة كيف تعاملت الثقافة العربية مع “عروة” باعتباره متمردًا خارجًا على القانون، في حين حوّل الغرب “روبن هود” إلى بطل شعبي ملهم، ونقلوا الفكرة ذاتها إلى “أرسين لوبين”، مع الاحتفاء بها عبر الأدب والسينما.
أصالة الطرح وأبعاده الفلسفية
لا يقتصر المقال على السرد التاريخي، بل يتجاوز ذلك ليطرح تساؤلات فلسفية حول العدالة الاجتماعية وحدود الأخلاق، فهل يُعتبر “عروة” لصًا أم محررًا للفقراء؟ وهل العدالة تكمن في تطبيق القانون أم في تحقيق المساواة الفعلية؟ هذه التساؤلات تجعل المقال يتجاوز المقاربة السطحية، ليدخل في عمق المعضلة الأخلاقية بين القانون الإيجابي والقانون الطبيعي.
نقد مجتمعي لاذع
يُحسب للكاتبة الرافعي، تسليط الضوء على المفارقة المعاصرة: ففي حين كانت سرقات “عروة” لصالح البسطاء، نجد أن لصوص العصر الحديث يسرقون لأجل ثرواتهم الخاصة، ومن أجل “حيتان المال”، مما يطرح تساؤلها الصارخ: “يد من تُقطع؟” وهو استفهام استنكاري قوي يلامس الواقع المرير للفساد المستشري في المجتمعات الحديثة.
المقارنة بين الشرق والغرب
ما ميّز المقال أيضًا هو التركيز على كيفية تعامل الثقافات المختلفة مع شخصيات اللصوص النبلاء، حيث احتفت الثقافة الغربية بهم، وكرّستهم في الفنون والأدب، بينما بقي “عروة” طي النسيان في الثقافة العربية. وهنا تكمن المفارقة التي تعكس أزمة في الوعي الثقافي العربي تجاه رموزه التاريخية. ختاماً، فقد نجح مقال الدكتورة العلامة، فلك مصطفى الرافعي، في تقديم رؤية نقدية متماسكة تضع القارئ أمام تحديات فكرية عميقة، وتثير أسئلة حول العدالة، والتاريخ، وتلاعب السلطة بالمفاهيم الأخلاقية، ليبقى السؤال العالق: “من هم اللصوص الحقيقيون في عالمنا اليوم؟”