عروبة الإخباري – طلال السكر –
بين الحنين والوجع، بين البراءة والخراب، تأخذنا كلمات الدكتورة العلامة، فلك مصطفى الرافعي، إلى فضاء مترع بالتناقضات، حيث تحلق “طيّارة الورق” في سماء الطفولة، بينما تنقضّ الطائرات الحديدية على مدنٍ تنزف تحت أقدامها.
في نصها العميق، تستحضر الكاتبة الرافعي، ذاكرة الصِّبا، حين كان الحلم مصنوعًا من قصبٍ خفيفٍ وأوراقٍ ملونة، وحين كانت الريح رفيقًا وليس عدوًا، والسماء ساحةً للأماني وليس ساحةً للحروب. إنها تذكّرنا بذلك الزمن الذي كان فيه الفرح بسيطًا، وكانت الرسائل المعلقة على أذيال الطائرات الورقية قصائد حبٍّ وأحلامًا نقيّة، لا نذر شؤمٍ ولا أوامر إخلاء.
لكن ما أقسى المفارقة! كيف تحوّلت السماء من مسرحٍ للبراءة إلى ميدانٍ للدمار؟ كيف استُبدلت قناديل الورد بقنابلٍ قاتلة؟ كيف صار التحليق في الأفق إعلانًا للموت لا احتفاءً بالحياة؟
إن نصّ الدكتورة العلامة، الرافعي، ليس مجرد سردٍ لذكريات الطفولة، بل هو مرآةٌ تعكس خراب العالم الحديث، حيث تحلّقت الطائرات حول أحلام الأطفال، لا لتحملها عاليًا، بل لتمزقها بوحشية. وبين “طيّارة الورق” التي تنثر الفرح، والطائرات التي تنثر الدمار، تتجلى الهوّة السحيقة بين عالمٍ كان، وعالمٍ أضحى.
لقد أبدعت الدكتورة، فلك الرافعي، في رسم صورةٍ نابضةٍ بالحياة والمفارقة، حيث جعلتنا نلامس ذلك الخيط الرفيع بين الحنين والحسرة، بين البساطة التي نفتقدها، والتعقيد الذي يطاردنا. إنه نصٌّ يفتح في القلب نافذةً على زمنٍ أنقى، وزمنٍ نتمنى لو لم يكن.
ما أعظم الفرق بين “الجائزة” و”الجنازة”، بين “طيّارة الورق” وطائرة القنابل، بين عالمٍ كان يحتفي بالحلم، وعالمٍ يحترف القتل!