بول ر. بيلار* – (رسبونسيبل ستيتكرافت)
كما كان متوقعاً، لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي الكثير ليكسبه من استمرار الحرب.
* * *
يبدو اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة على وشك الانهيار، لأسباب كانت قابلة للتنبؤ بها عندما تم التوصل إلى الاتفاق أول الأمر في كانون الثاني (يناير).
في أعقاب مرحلة أولى مدتها ستة أسابيع -والتي انتهت للتو- تصوَّر الاتفاق مرحلتين؛ ثانية وثالثة، ينبغي أن تشهدا إطلاق سراح إضافيا للرهائن من الجانبين، وانسحابات عسكرية إسرائيلية من القطاع، وخطة لإعادة الإعمار. لكنّ هذه الأجزاء من الاتفاق كانت مجرد خطوط عريضة أو بيانات لسرد الأهداف، مع الحاجة إلى إجراء مزيد من المفاوضات لحل جميع التفاصيل.
كما تمت الإشارة في هذا المكان، مجلة “فن الحكم المسؤول” Responsible Statecraft، عند الإعلان عن الاتفاق، فإن لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أسبابا شخصية وسياسية قوية لإبقاء إسرائيل في حالة حرب، بما في ذلك حاجته إلى الحفاظ على ائتلاف مع اليمينيين المتطرفين في حكومته الذين تتمثل سياستهم الخاصة بالتعامل مع غزة في القضاء على جميع الفلسطينيين وإزالتهم من القطاع.
وهكذا، كانت لدى نتنياهو حوافز قوية لتخريب اتفاق وقف إطلاق النار قبل أن يُمكن المضي قدُمًا في تنفيذه وصولاً إلى وقف دائم للأعمال العدائية. وقد تواصل هذا التخريب على قدم وساق، فانتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار بشكل متكرر طوال المرحلة الأولى بشن هجمات جوية وبرية تسببت في وقوع إصابات بين الفلسطينيين. ومع عدم التقاط “حماس” الطعم وعدم الانجرار إلى الرد بأعمال عدائية واسعة النطاق، يحاول نتنياهو الآن التخلص من المرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق واستبدالهما بشيء يروق أكثر لإسرائيل. وبدلاً من التفاوض على تفاصيل المرحلة الثانية، كما هو مطلوب بموجب الاتفاق، يدفع نتنياهو بصيغة تتضمن وقفًا لإطلاق النار لمدة 50 يومًا يكون قد تم بحلول نهايته إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين.
مع عدم وجود بند في اقتراح نتنياهو يقضي بانسحاب عسكري إسرائيلي من غزة أو بوقف دائم للأعمال العدائية، فإن الصيغة ليست بداية صالحة بالنسبة لـ”حماس”. إنها تقترح أن تتخلى الحركة عن أوراق المساومة المتبقية لديها مقابل لا شيء في المقابل. وقد وصفت “حماس” اقتراح نتنياهو بأنه “محاولة واضحة للتراجع عن الاتفاق والتهرب من المفاوضات التي ستبحث مرحلته الثانية”.
في الأثناء، تتواصل انتهاكات إسرائيلية أخرى لاتفاق كانون الثاني (يناير). في الأسبوع الذي سبق كتابة هذه السطور، أشارت إسرائيل إلى أنها لن تسحب قواتها -كما هو منصوص عليه في الاتفاق- من ممر فيلادلفيا، وهي منطقة تقع على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر. وبدأت إسرائيل هذه الأيام في منع دخول جميع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
ما تزال الحوافز التي تدفع نتنياهو إلى استئناف الهجوم الإسرائيلي على غزة بدلاً من التوصل إلى اتفاق يصل إلى سلام دائم قوية الآن -على الأقل كما كانت في منتصف كانون الثاني (يناير). والعامل الأكبر في هذه المعادلة هو عناية إدارة ترامب بالتفضيلات الإسرائيلية، كما يتضح من وجه نتنياهو المبتسم بعد أن سمع أن الرئيس ترامب يؤيد التطهير العرقي الكامل لقطاع غزة بقدر ما يؤيده المتطرفون في حكومة نتنياهو.
وهؤلاء المتطرفون متحمسون الآن أكثر من أي وقت مضى لاستئناف الهجوم المدمر على سكان قطاع غزة بعد تجويعهم أولاً وقطع إمداداتهم من المياه والكهرباء.
وهكذا، يبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحًا على المدى القريب بالنسبة لقطاع غزة هو استئناف الهجوم العسكري الإسرائيلي. ولن تكون لمثل هذا الاستئناف فرصة لتحقيق الهدف الإسرائيلي المعلن المتمثل في “تدمير حماس” أكثر مما كان خلال الأشهر الخمسة عشر السابقة من التدمير.
أما بالنسبة للسكان المدنيين الذين يعانون في غزة، فإنه على الرغم من أي استياء قد يكون لديهم من “حماس” بسبب قرارها شن هجوم تشرين الأول (أكتوبر) 2023 على إسرائيل، لم يُمنح هؤلاء المدنيون أي بديل جذاب عن استمرار المقاومة. وأيًا يكُن من قد يستمتع ذات يوم برؤية ترامب لـ”ريفييرا الشرق الأوسط” في غزة، فإنه لن يكون الفلسطينيين الذين يعيشون هناك حاليًا. بدلاً من ذلك، سوف يواجهون البؤس في المنفى، وحتى ذلك الحين لن يكونوا في مأمن من المزيد من الهجمات الإسرائيلية.
قدّم اتفاق كانون الثاني (يناير) الأصلي، على الرغم من كل نقاط ضعفه، أفضل ما يمكن أن تنتجه الدبلوماسية الدولية في ذلك الوقت للإدارة الفورية لمأساة غزة. وتدل حقيقة أن الاتفاق لم يتم التوصل إليه إلا بعد أسابيع عديدة من الوساطة والمفاوضات، على أنه كان أقصى ما أمكن استخلاصه من الطرفين -بمن في ذلك من “حماس”، على الرغم من الضربات المؤلمة التي تعرضت لها خلال أكثر من عام من الحرب.
لدى الولايات المتحدة النفوذ، خاصة بالنظر إلى المساعدات العسكرية الهائلة التي تقدمها لإسرائيل، لخلق حوافز لبقاء الاتفاق ساريًا وإجراء مفاوضات جادة حول المرحلتين الثانية والثالثة. لكنّ من الواضح أن إدارة ترامب لا تستخدم هذا النفوذ. في الواقع، يقول نتنياهو إن صيغته البديلة لوقف إطلاق النار المؤقت من دون نهاية دائمة للأعمال العدائية وعدم الانسحاب الإسرائيلي كانت إطارًا اقترحه مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف -وهو نفس ستيف ويتكوف الذي أُسنِد إليه الفضل عن التوسط في اتفاق كانون الثاني (يناير) الأصلي.
بالإضافة إلى التداعيات على سكان غزة الذين يعانون، فإن لهذا التحول في موقف الإدارة الأميركية تداعيات على مصداقية الولايات المتحدة. إن مساعدة الولايات المتحدة في تدمير اتفاق ساعدت الإدارة الأميركية نفسها -بل وحتى نفس المبعوث الأميركي- في التفاوض بشأنه سيؤدي إلى تضخيم الشكوك الأجنبية، الموجودة مسبقًا بسبب نكوص الإدارة المماثلة عن التزاماتها في ما يتعلق بالتجارة الدولية، حول قدرة -ورغبة- الولايات المتحدة في الوفاء بتعهداتها.
إذا ما أريد النظر في بدائل لاتفاق كانون الثاني (يناير) بشأن غزة، فمن المؤكد أنه ينبغي النظر إلى ما تفعله الدول العربية. لقد واجه العرب بعض التحديات في توحيد عملهم الجماعي، في ما يرجع أساسًا إلى المواقف المختلفة تجاه “حماس” والإسلام السياسي بشكل عام. لكنهم أقروا، في اجتماع قمة اختتم مؤخرًا في القاهرة، خطة مصرية تتناول إعادة الإعمار والإدارة المؤقتة لقطاع غزة.
ويدعو اقتراح مصر إلى تشكيل لجنة فلسطينية غير حزبية من التكنوقراط لإدارة القطاع خلال فترة انتقالية مدتها ستة أشهر. وقد رحبت “حماس” بالاقتراح، وهو موقف يتفق مع المؤشرات السابقة على أن الحركة ليست حريصة على الاستمرار في إدارة غزة بنفسها، حتى لو استمرت في مقاومة نزع السلاح أحادي الجانب لقدراتها العسكرية. وفي المقابل، رفضت إسرائيل الاقتراح، بما يتفق مع معارضتها لأي شيء يلمح إلى طريق نحو الحكم الذاتي الفلسطيني.
من جهتها، تجاهلت إدارة ترامب الاقتراح المصري وأكدت دعمها لفكرة “ريفييرا” ترامب في غزة. كما كرر المتحدث باسم البيت الأبيض الموقف الغريب للإدارة الأميركية الذي يقول إنه نظرًا لأن “غزة غير صالحة للسكن حاليًا”، فإن هذا الوضع يشكل سببًا لدعم سياسات الدولة التي جعلت غزة غير صالحة للسكن.
وقد أكد البيت الأبيض، مؤخرًا، أن الإدارة أجرت محادثات سرية مع “حماس”، في اتصال ركز بوضوح على إطلاق سراح الرهائن -وخاصة الرهائن الأميركيين. وتشير حقيقة أن المسؤول الأميركي المنخرط في هذه الاتصالات كان الممثل الخاص لشؤون الرهائن بدلاً من ويتكوف إلى مثل هذه الأجندة. لا يوجد ما يشير إلى أن موقف الإدارة الأوسع قد تغير، حيث أصدر الرئيس ترامب بيانًا عدوانيًا هدد فيه “حماس”، وقال إنه “يرسل إلى إسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء المهمة” في غزة.
على الرغم من أن الاقتراح المصري يستحق الاهتمام للتعامل مع الوضع الراهن، إلا أن الدعوات الموجهة إلى العرب للخروج بأفكارهم الخاصة تظل غريبة إلى حد ما، بالنظر إلى أن “الجامعة العربية” قدمت، منذ أكثر من عقدين، اقتراحًا يعرض السلام واعتراف الدول العربية الكامل بإسرائيل إذا هي أنهت احتلالها للأراضي الفلسطينية وقبلت بقيام دولة فلسطينية.
وما يزال هذا الاقتراح مطروحًا على الطاولة.
*بول ر. بيلار Paul R. Pillar: زميل أول غير مقيم في “مركز الدراسات الأمنية” بجامعة جورج تاون، وزميل غير مقيم في “معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول”. وهو أيضًا زميل مشارك في “مركز جنيف للسياسة الأمنية”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Gaza ceasefire hits the brick wall of Netanyahu’s agenda