عروبة الإخباري – طلال السكر –
في قراءة لمقال الدكتورة العلامة فلك مصطفى الرافعي، وهي تكشف عن عمق فكري ممتد بين الأمثولة التربوية، والإسقاطات السياسية، والمقاربات الفلسفية التي تحاكي واقعنا المعاصر، مما لا شك فيه على إن المقال يستحضر الدلالات الرمزية لأمثولة “اللوح والمسامير”، مما يعيدنا إلى فكرة الأثر الباقي للأفعال البشرية، حيث لا يكفي أن نُصلح أخطاءنا، بل علينا أيضًا أن نُرمم الآثار التي خلفتها تلك الأخطاء، وهي إشارة ذكية إلى المسؤولية الأخلاقية والمجتمعية في سلوك الأفراد والجماعات.
وفي الجزء الثاني تطرق المقال، بعد هذه الرحلة في عالم القيم، إلى إشكالية “الدجاجة أم البيضة”، والتي لم تكن مجرد طرح علمي بل إسقاطًا لما هو أعمق، أي سؤال الأصل والشرعية والملكيات المتنازع عليها. وهنا، تنتقل الكاتبة بذكاء إلى المشهد اللبناني، حيث يبقى الوطن موضوع جدل دائم بين القوى السياسية، وكأن شرعية الانتماء تُناقش كما نوقشت قضية الدجاجة والبيضة، في حين أن الحقيقة الجوهرية تتمثل في أن لبنان يجب أن يكون جامعًا لا مُجزأً، وطنًا لا غنيمة. إن هذه المقاربة تثير التساؤل حول الشرعية الحقيقية: هل تستند إلى القوة، أم إلى المشروعية التاريخية، أم إلى الالتزام بالمصلحة العامة؟
وفي الفقرة الأخيرة، فقد حملت بُعدًا فلسفيًا وساخراً في آنٍ معًا، حيث استحضرت شخصية ابن طفيل، الفيلسوف والمفكر، في سياقٍ معاصر، متسائلةً عن مدى إمكانية ترشحه لو خاض الانتخابات في زمننا الراهن! المفارقة هنا ليست مجرد إسقاط أدبي، بل تعكس أزمة النخب في المجتمعات العربية، حيث لم يعد العباقرة محل ترحيب في المشهد السياسي، بل أضحت المعايير مختلفة تمامًا، ما يفتح الباب أمام تساؤلات عن أهلية القيادة وعمن يستحق فعلاً أن يكون في واجهة القرار.
بالمجمل، يضع مقال الدكتورة فلك الرافعي، ثلاث قضايا في المرمى: أثر الأفعال على المستقبل، مشروعية الهوية والانتماء، وجدلية الحكم والقيادة، وهي قضايا جوهرية لا تمس فقط واقع لبنان، بل تمتد لتطال الفكر السياسي والاجتماعي العربي برمته. إنه مقال يدعو إلى التأمل، لا في النص وحده، بل في الواقع الذي يعكسه النص ببراعة، في زمن تحتاج فيه الشعوب إلى إعادة النظر في اللوح والمسامير التي حفرت أثرها في مصيرها.