عروبة الإخباري –
خلال حضوري الاحتفال التاريخي بالعيد الـ150 لتأسيس الجامعة اليسوعية في بيروت، استمعت بشغف إلى كلمة صديقي رئيس الجامعة، الأب اليسوعي الدكتور سليم دكّاش . وفي لحظات تأمل بتاريخ لبنان، شعرت بمرارة افتقادنا لشخصيات استثنائية مثل هذا الرجل كانت قادرة على صنع الفرق وانقاذ الوطن . كلماته كانت مزيجًا من الحكمة والرؤية الثاقبة، فوجدت نفسي أتخيّله واحداً من هؤلاء القادة الذين كان لبنان بأمسّ الحاجة إليهم لبناء وطنٍ حقيقي . هو قائدٌ لم يحمل لقب “رئيس الجمهورية”لكنه حكم “جمهورية الجامعة اليسوعية” بحكمة وحنكة جعلت منها نموذجاً يُحتذى به في الإدارة الرشيدة . منذ تولّيه رئاسة الجامعة في العام 2013، أثبت الدكتور دكّاش أن الإدارة ليست مجرد قرارات أكاديمية، بل رؤية وطنية متكاملة. واستطاع أن يحوّل الجامعة من مؤسسة تعليمية إلى كيانٍ نابض بالحياة، أشبه بدولة مصغّرة في بنيتها وإدارتها وإنجازاتها جعلتها تبقى صامدة وتتوسع، وتحافظ على مستواها العلمي والبحثي .
تخيّلوا لو أن رجلاً بهذه الرؤية، النزاهة، والصلابة أدار لبنان كما أدار جامعته، كيف كان ليكون شكل البلد اليوم؟ خلال السنوات العشر الأخيرة، خسر لبنان الكثير، ليس فقط من اقتصاده وماليته، بل من كرامته وهيبته . أزمات متتالية، فساد مستشرٍ، وقرارات عشوائية جعلت المواطن يدفع الثمن الأكبر. لو كان دكّاش رئيساً، هل كنّا سنشهد الانهيار المالي؟ هل كانت المؤسسات ستنهار بهذا الشكل المأساوي؟ هل كان الشباب سيهاجرون بالآلاف بحثًا عن أمل مفقود؟ ربّما كان بإمكانه أن يطبّق رؤيته الإدارية الناجحة على مستوى الدولة، فيبني اقتصادًا أكثر استدامة، ويعطي الأولوية للعلم والمعرفة، ويرسّخ القيم الأخلاقية والوطنية في مؤسسات الحكم، كما فعل في جامعته. كان ليكون رئيساً صارماً، نظيف الكفّ، واضح الرؤية، لا يخشى المواجهة، ولا يساوم على المبادئ.
لكن لبنان، وللأسف، لم يعرف كيف يختار بعض قادته، فأضاع أربعين عاماً في القهر والعذاب والدمار، حتى وصل أخيراً إلى مرحلة الأمل مع فخامة الرئيس جوزاف عون، الذي حمل على عاتقه مسؤولية إنقاذ ما تبقى من هذا الوطن الجريح . واليوم، في احتفال الـ150 عامًا على تأسيس الجامعة اليسوعية، لم أرَ الأب سليم دكّاش مجرد مديرٍ للجامعة، بل قائداً حقيقياً في زمنٍ قلّ فيه القادة . رجلٌ لم يكن رئيساً، لكنه سيترك بصمة تفوق أثر رؤساء عديدين مرّوا في تاريخ هذا البلد دون أن يتركوا شيئًا يُذكر . في النهاية، ربما لم يحكم الاب الرئيس سليم دكّاش قصر بعبدا، لكنه بنى جمهورية مصغّرة داخل الجامعة اليسوعية حيث العدالة تُطبَّق، والكفاءة تُحترم، والمستقبل يُبنى على أسس متينة. فليكن مثالًا يُحتذى به في إدارة لبنان الغد، لبنان الذي نحلم به جميعاً، وهنيئاً لكم وللجامعة اليسوعية عيدها 150 وبدوام التقدم والازدهار.