عروبة الإخباري –
الدستور – حاورته رنا حداد –
في قلب مدينة باريس، ملتقى الفنون والثقافة، وُلدت فكرة مشروع فريد من نوعه، تجسد الهوية الفلسطينية بكل تفاصيلها: متحف يعكس الذاكرة والتراث الفلسطيني الأصيل، ويأخذك في رحلة عبر التاريخ من خلال لمسات متقنة من الزمن. هذا المتحف لم يكن مجرد صرح ثقافي، بل كان تجسيدًا لحلم شخصي، حلمه الدكتور الذي سعى منذ سنوات إلى أن يحمل معه إرثًا من بعيد، إرثًا قد يبدو غريبًا في أرض غريبة، لكنه عميق الجذور في قلبه.
الدكتور متحف عايد الترابين، باحث دكتوراه في جامعة السوربون، وللإسم قصة وحكاية، ليست بعيدة عن التراث ووصاية الاجداد، فالاسم وصية الجدة، حاصل على درجة الدكتوراه في علم المتاحف، عالم و اشق شغوف في حب وطنه و تراث جدته ، و أجداده عمومًا. أطلق عليه البعض لقب «الحارس الأمين» المتعمق لإحياء و توثيق التراث الفلسطيني ونشره بطريقة بحثية وعلمية و أكاديمية هامة ومميزة . ما يميز هذا الدكتور ليس فقط خلفيته الأكاديمية، بل إرتباطه الوثيق بهذا التراث على مستوى شخصي، فقد كانت جداته هنّ من رسمن له أولى خيوط هذا الإرث، ومن خلال قصصهن ووصايهن، تعلم عن فلسطين بكل ما فيها من ثقافة وتاريخ، وعرف أن التراث ليس مجرد ذكريات، بل هو هوية حية من الواجب أن تتنقل عبر الأجيال.
رحلة بحث وتدقيق
د.الترابين قال في حديث مع «الدستور» : « بعد سنوات من الدراسة والبحث في علم المتاحف، استطعت الجمع بين الشغف الأكاديمي والرغبة =العميقة في الحفاظ على تراثنا وإرثنا، . قررت أن أؤسس متحفًا في باريس، المدينة التي أصبحت موطنًا للكثيرين من أبناء فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط».
وعن اختيار هذه المدينة العالمية تحديدًا قال « لأنها كانت ولا تزال مركزًا للثقافة والفن، وقادرة على استيعاب التنوع الثقافي، ولأنها ستمنح المتحف فرصة للظهور على الساحة الدولية».
«أقمنا اكاديمية تراثية فلسطينية مرخصة رسميًا في وسط باريس بالتعاون مع زميلي ، يزورها العلماء والمختصين والطلبة والباحثون وكل المهتمين بتراث فلسطين».
وزاد «المتحف الذي أسسناه ليس مجرد مكان لعرض المقتنيات، بل هو شاهد على تاريخ طويل، يروي قصصًا شخصية، عن جداتي اللواتي، من خلال حياتهن اليومية، ومن خلال ممارستهن لمهنة الطب أيضا، نقلن له الحكايات التي تحمل معانٍ عميقة عن النضال والهوية والذاكرة». وعن موجودات المتحف؟ وهل هو مفتوح أمام السياح حاليا؟ قال د.ترابين:
«في هذا المتحف، يمكن للزوار أن يلمسوا تاريخًا حيًا، ليس فقط من خلال الأدوات والمقتنيات القديمة، بل من خلال الوثائق والموجودات وأيضا الطاقة التي تنبض في كل قطعة، ومن خلال ما تحمله هذه القطع من معاني ورسائل.لدينا العديد من وثائق وشواهد الإرث التراثي، من أثواب وتطريز يبلغ عددها ما يقارب 250 ثوب فلسطيني من كافة المناطق، والمجوهرات التراثية والأدوات الطبية الشعبية والطوابع والنقود والأوراق المالية».
وأضاف «هذه الرحلة ليست رحلة في الزمن فحسب، بل هي أيضًا رحلة داخل قلب الإنسان الفلسطيني الذي يحمل همّ الحفاظ على تراثه وأصالته في وجه تحديات العصر».
المتحف مفتوح أمام الزوار والباحثين والطلبة، ولكن ليس بصورة السياحة بعد.
الأهداف والرؤية
وعن أهدافه ورؤيته لهذه الاكاديمية قال « أهدافي هي تطوير أكاديمية علم المتاحف الفلسطيني والعربي، وهي مركز أبحاث مقره باريس دائرة رقم 8 ويبعد 5 دقائق عن متحف اللوفر يضم متحفًا للقطع الإثنوغرافية الفلسطينية قبل عام 1948، ودار نشر، ومكتبة تضم أكثر من 1000 كتاب، وأرشيفات من القرن السابع عشر إلى القرن الحادي والعشرين وازياء شعبية وحلي ونقود وطوابع واعشاب وبذور طبية . منذ عام 2000، أعمل على الاعتراف بعلم المتاحف الفلسطيني كمفهوم أكاديمي وعلمي، يدمج علم المتاحف العام. إنه يعكس السياق الفريد لفلسطين وهوعلم تأسس على يد الدكتوره حاكمة عايد ترابين ضمن عملية الحفاظ على صحة الجسد مع التوزاي بالحفاظ على صحة الذاكرة والهوية ، مما يمكّن الفلسطينيين من التعبير عن هوياتهم المتنوعة وتشكيلها. انطلاقًا من رؤية عائلية مؤسساتية تركز على أهداف طويلة المدى للتفاهم المتبادل والسلام وتعزيز العلاقات الوثيقة بين الشعوب، فإن هدفي النهائي هو حماية التراث الفلسطيني كجزء لا يتجزأ من التراث الإنساني بأكمله. كما أهدف إلى المساهمة في المهمة الضخمة المتمثلة في إلهام الأجيال العالمية الجديدة المتعطشة للمعرفة والثقافة، مما يمهد الطريق للسلام الدولي.
علاقات دولية
السيرة الذاتية للدكتور ترابين توحي بمجهود عظيم للشراكة مع منظمات ومؤسسات عالمية على صلة مباشرة مع توجهات لحماية وصون وتوثيق التراث للشعوب، ومنهم الشعب الفلسطيني، بهذا الخصوص قال د.ترابين « نعم أبذل كل جهودي وعلمي ومعرفتي وعلاقاتي لثقتي أنه من شأنها أيضًا أن تلعب الدور المثالي في خلقِ شراكات بناءة معَ المنظمات الدولية وكذلك العربية التي تهتم بالتراث العربي عمومًا والتراث الفلسطيني على وجهِ الخصوص.
كتاب في 15 عاما، أمضيتها في البحث والتدقيق والجمع، اليوم آن آوان النشر بمشاركة من الفرنسية الباحثة كلمنتينا بولي . ما المحتوى وما الرسالة من الكتاب؟
يتتبع هذا الكتاب تطور علم المتاحف الفلسطيني بدءًا من إنشاء أول متحف فلسطيني خاص «التراث من عبق التراب»، الذي أسسته الدكتورة حاكمة العايد ترابين عام 1790. أدت هذه الجهود إلى تأسيس اكاديمية علم المتاحف الفلسطيني والعربي في باريس، عام 2022. تأسست اكاديمية من قبل مديرها الحالي، أنا باحث دكتوراه في جامعة السوربون وأنا من احفاد الدكتورة حاكمة العايد ترابين،
أنا مؤلف هذا الكتاب والممثل الأوروبي للاتحاد العام للمؤرخين الاثاريين في فلسطين وعضو في المجلس الدولي للمتاحف التابع لمنظمة اليونسكو الدولية نيابة عن فلسطين . بعد خمسة وعشرين عامًا من العمل في علم المتاحف، يتم تدريجيا إضفاء الطابع المؤسسي على علم المتاحف الفلسطيني على المستوى الأكاديمي لدي العديد من الجامعات الدولية في روسيا واليابان وفرنسا وسويسرا وغيرها .
يتعمق هذا الاصدار في تاريخ الأسرة وروايات العشيرة منذ أواخر العصر البرونزي، بحيث يسعى إلى رسم الروابط بين المساهمات الثقافية والتاريخية لرجال ونساء عشيرة عايد ترابين وتطوير مفهوم علم المتاحف الفلسطيني.
لقد أفسحت الأدوار العديدة للعشيرة كحكام ووسطاء قضائيين وقضاة ولاية ومستشارين قانونيين وكتاب عدل ووسطاء دبلوماسيين وحاميين لطرق الحج وأطباء على مدى آلاف السنين المجال لأخلاقيات عشائرية في الدفاع عن السلام والرفاهية الشاملة. وقد مكنت هذه العقلية الدكتورة حاكمة عايد ترابين في إحداث تحول لطيف ولكنه ثوري داخل العشائر البدوية الفلسطينية في النقب. وتحدت الاعتقاد المحلي المتعلق بدفن المتعلقات الشخصية باعتبارها طقوس عبور إلى الآخرة وشجعت مواطنيها على الحفاظ على القطع الأثرية كوسيلة لحماية الذاكرة والتراث الفلسطينيين.
يستعرض هذا الاصدار المراحل التي شكلت علم المتاحف الفلسطيني، بدءًا من فلسفة (العتيقة) الجسم السليم في العقل السليم والتي تجسدت مع إنشاء متحف التراث من عبق التراب في عام 1790، ليصل إلى 10،000 قطعة بحلول عام 1917. كما ينظر هذا المقال في المساهمات الثقافية والتاريخية للأجيال الستة من نساء ورجال آل عايد ترابين، وجهودهم في الحفاظ على التراث الفلسطيني الإثنوغرافي والطبي للعشائر والقرى والبلدات الفلسطينية والبحث فيه ونقله على مدى المائتين وثلاثين عامًا الماضية. ويستكشف المبادئ التي يقوم عليها علم المتاحف الفلسطيني ويسلط الضوء على التفاعل بين الحفاظ على التراث والاستمرارية الثقافية والرفاه المجتمعي. أخيرًا، يركز هذه المقال على إضفاء الطابع المؤسسي على علم المتاحف الفلسطيني باعتباره تخصصًا أكاديميًا من قبل أول أمين للأسرة، د. متحف عايد ترابين، وتطوراته الأخيرة في هذا المجال.