لا، ما عنيت حروب الشرق الأوسط ولا أوكرانيا. هذا المقال أكرسه فقط لحروب ترمب وثاراته القديمة. لدونالد ترمب قبل الولاية الأولى، وقبل دخوله عالم السياسة وحتى الشهرة ومن قبل عالم المال والأعمال، لترمب ثار شخصي مع الإدمان وكل ما هو غير طبيعي وتقليدي ومحافظ، عندما يتعلق الأمر بالأسرة النووية والعائلة.
للرئيس الخامس والسابع والأربعين لأمريكا موقف مبدئي يمسّ حياته الأسرية الخاصة في الصميم. تحدث ترمب عنه كأخ عاش آلام الفقد لأخ يكبره في العمر ويتحلى بحسب كلامه بأعلى درجات الذكاء والطيبة، لكنه خسر -رحمه الله- معركة الإدمان، وبالتالي أسرته وحياته. إدمان الكحول قضية شائكة في بلاد العم سام، لدرجة حظر المشروبات الكحولية التي تترجم خطأ ب «الروحية» حظرها في عشرينيات القرن الماضي فيما عرفت بسنوات الجفاف «دْرايْ ييرْزْ» والتي استمرت ثلاثة عشر عاما بموجب التعديل الدستوري الثامن عشر.
قضى «فْرِدْ جونيور» أخو الرئيس نحبه جراء نوبة قلبية بسبب معاقرته الخمر وهو في مطلع عقده الرابع. شكّل الأمر عقدة وحافزا في آن واحد، لم يجرّب ترمب أيا من المشروبات الكحولية في حياته رغم وضع اسمه علامة تجارية على نبيذ بات سلعة سياسية إبان حملاته الانتخابية في أمريكا ودول أخرى من بينها إسرائيل.
كبر ثار ترمب مع الإدمان عندما صار رئيسا لأول مرة، فصبّ جام غضبه على السموم المسماة المخدرات. فتح النار على تجار الموت في مستهل ولايته الثانية من على منبر وزارة العدل الجمعة في خطابه للأمة الأمريكية أمام حشد من الأمهات اللواتي فقدن فلذات أكبادهن جراء المخدرات، تحديدا أكثر سمومها الزعاف سُميّة وغدرا، ذلك «الصنف» المسمى «فِنْتَنِلْ» وهو صينيّ المنشأ «يُطبخُ» في المكيسك ويهربه تجار الموت عبر الحدود الجنوبية لأمريكا، وبدرجة أقل الشمالية، كندا.
رغم حرب التعرفات الجمركية كأداة ضغط فيما يخص مكافحة المخدرات، إلا أن ترمب لم يتردد بإنصاف رئيسة المكسيك التي أوحت له خلال مكالمة هاتفية بدأت اقتصادية سياسية، أوحت له بحل يساعده في حربه على تجار الموت. إنها الدعاية والإعلان وتلك مسألة يعشقها ترمب ويتقنها، فضربت وترا حساسا.. الجميل في الأمر -وتلك ميزة الإدارة قبل السياسة- أنه سرعان ما التقط الفكرة ووضعها بين يدي كبيرة موظفي البيت الأبيض سوزان (سوزي) وايْلْز التي كانت شريكة في إدارة حملته الانتخابية التي أعادته إلى البيت الأبيض. كلفها ترمب بإطلاق حملة إعلانية ضخمة تعرض صورا لما تفعله آفة المخدرات من أفاعليل بحق من يفترسه تجار الموت من ضحايا وكيف يؤدي ذلك ليس فقط إلى دمار الفرد بل وأسرته ومجتمعه وبلاده. لذلك كان قراره غير المسبوق أمريكيا هو إدراج عصابات المخدرات على لائحة الإرهاب الأمر الذي يوفر له كرئيس وكقائد أعلى للقوات المسلحة موارد هائلة من بينها ضرب أوكار المجرمين خارج الحدود، فيما يعتبر دوليا حقا. نعم الضربات الاستباقية ليس حقا فقط بل واجب.. هي في حقيقة الأمر استباقية وقائية بمعنى مانعة ورادعة «بْريئمْتِف» و»بْرِفِنْتِفْ».
تبقى مسألتان لا تقلا أهمية عما سبق وهي الصورة والعقاب. أبدأ بالأخيرة. ترمب لم يُخف رغبته وأكثر من مرة باعتماد عقوبة الإعدام بحق تجار المخدرات. لكنه أقر الجمعة بأن الأمر قد يكون صعبا الآن بالنسبة للأمريكيين من معارضي عقوبة الإعدام. للأمانة كنت من أشد معارضيها وصرت من هول ما رأيت وقرأت من المطالبين بتفعيلها، طبعا بعد استيفاء كل ما يلزم من تحقيق جنائي وعدالة قضائية. ثمة جرائم شنيعة لا بد من ردعها وتصدق فيها الآية الكريمة «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب». أما المسألة الثانية فهي الصورة بمعنى الانطباع، فيما يخص الهيئة والحالة والرسالة. وأتحدث هنا عن «ثقافة» الوشم أو الوسم لا فرق! خلق رب العالمين الإنسان «في أحسن تقويم»، ولا يجوز العبث أبدا به لا داخليا ولا خارجيا فذلك من الحرمات والمقدسات التي ينبغي أن تصان. من الأمور التي يرفضها ترمب بحسب ما أوصى بارون «آخر العنقود» ووحيد أمه سيدة أمريكا الأولى مِلانيا ترمب هو عدم استخدام «التاتو» أبدا. وقد صار هذا الأمر جزءا من الحملة الانتخابية الأمريكية في استمالة المحافظين وسيدات الضواحي وكلمة «سَبيرْبْيا» صارت اصطلاحا سياسيا انتخابيا نجح ترمب مرتين في كسب أصواتها أمام اليسار. صار خلو المرأة من «التاتوهات» موضع تفاخر في صفوف حركة «ماغا»! طبعا التدخين من المحرمات أيضا في عقيدة ترمب! عقيدة بالمعنى السياسي «دَكْتْرِنْ» لا الديني، لا قدّر الله!