عروبة الإخباري –
مما لا شك فيهه بأن هناك وفي كل مجتمع، توجدفئة لا يرضيها شيء، ولا ترى في أي جهدٍ بشري سوى النقص والعيب، وكأنها قد نصّبت نفسها حكمًا على كل عملٍ وإبداع. هؤلاء لا يحفزهم الطموح ولا يدفعهم النقد البنّاء، بل تحركهم نزعة دائمة للامتعاض والتقليل من شأن الآخرين، غير مدركين أن الحياة قائمة على التنوّع والتكامل، وأن لكل فردٍ دوره في بناء المجتمع. هذه الظاهرة ليست جديدة، بل لطالما كانت جزءًا من المشهد الإنساني، حيث تتكرر مع كل إنجاز محاولةٌ للنيل منه، لا لسبب إلا لأن أصحابها اعتادوا الوقوف في الظلّ، يراقبون بصمتٍ أو يعلّقون بسلبية، دون أن يكون لهم إسهامٌ حقيقي في حركة التقدّم.
تطرقت الدكتورة فلك مصطفى الرافعي في مقالتها “البعض لا يعجبه العجب” إلى ظاهرة الانتقاد السلبي والاعتراض الدائم الذي يمارسه البعض تجاه أي عمل أو إنجاز، مهما كان جليلًا أو متقنًا. وأضاءت المقالة على هذه الفئة التي لا ترى إلا العيوب وتغفل عن مواطن الجمال، بل وتتبنى نهجًا قوامه الإحباط والسلبية.
نقد سلبي أم عدم تقبل للتنوع؟
لقد سلطت الكاتبة الضوء على حقيقة أن بعض الأشخاص يتذمرون في كل الأحوال، سواء جاء المطر أو انقطع، سواء أشرقت الشمس أو غابت. هؤلاء الأشخاص لا ينظرون إلى التباين والتنوع في الحياة كقيمة إيجابية، بل يرونه مدعاة للانتقاد والتشكيك. وهنا يكمن جوهر الإشكال؛ فالتنوع ليس فقط سمة طبيعية للحياة، بل هو ضرورة لاستمرارها، كما أوضحت الكاتبة من خلال مثال تفاوت المهن وأهمية كل مهنة في إكمال الدورة الحياتية.
التخصص مقابل الانتقاد العشوائي
من أبرز النقاط التي طرحتها الدكتورة الرافعي، والتي تستحق التوقف عندها، هي أن الانتقاد قد يأتي أحيانًا من أشخاص يفتقرون إلى المعرفة أو التخصص في المجال الذي ينتقدونه. فكم من ناقد للوحات الفنية لا يفقه شيئًا عن الرسم؟ وكم من متذمر من قرار إداري لا يدرك تعقيداته؟ بل وكم من شخص ينظر إلى العمل الإنساني بعين الريبة والتشكيك بدلاً من دعمه؟ هذه الظاهرة تعكس نقصًا في الوعي وفجوة في الثقافة النقدية، حيث يُفترض بالنقد أن يكون بنَّاءً ومبنيًا على أسس معرفية.
الإحباط كأداة هدم
تظهر المقالة بوضوح كيف أن بعض الأفراد يجعلون من الإحباط وسيلة لهدم كل إنجاز. فهم لا يقدمون بدائل أو حلولًا، بل ينشغلون فقط في التشكيك والتقليل من الجهود المبذولة. هذا النمط من التفكير لا يعيق فقط تقدم المجتمع، بل يقتل روح الابتكار والاجتهاد عند الآخرين، ويجعل من الصعب على أصحاب الإنجازات مواصلة العطاء.
الوعي بالتنوع واحترام الاختلاف
تناولت الكاتبة أيضًا مسألة الاحترام المتبادل بين البشر، سواء في المهن أو العقائد أو حتى في الاختلافات الفكرية. فكما أشارت إلى تعدد المعتقدات والعبادات عبر التاريخ، أوضحت أن الاختلاف سُنّة كونية، وأن محاولة توحيد الجميع على رأي واحد أو مسار واحد هو أمر غير ممكن ولا يخدم المصلحة العامة. بدلًا من ذلك، فإن احترام الاختلافات والتكامل بين الأدوار المختلفة في المجتمع هو مفتاح النجاح والتقدم.
نهاية القول بأن مقالة الدكتورة، فلك مصطفى الرافعي، جاءت كدعوة للتأمل وإعادة النظر في أسلوب تعاملنا مع الإنجازات والاختلافات من حولنا. فبدلًا من تبني النقد السلبي المستمر، ربما يجدر بنا أن ننظر بعين التقدير إلى محاولات الآخرين، وندعم الإبداع والاجتهاد، سواء أصابوا أم أخطأوا. فالحياة ليست مثالية، لكن بإمكاننا أن نجعلها أفضل بتعزيز ثقافة الحوار والاحترام، والابتعاد عن جلد الذات والآخرين دون مبرر.