عروبة الإخباري – د. فلك مصطفى الرافعي –
هكذا قالت الامثال ” لا يعجبه العجب ، و لا الصيام برجب “..
و هؤلاء شريحة كبيرة من البشر هدفهم الدائم هو الامتعاض و الاستنكار و التعليق السلبي على كل عمل يقوم به شخص ما في كل المهن و المهارات و الإبتكارات ، ربما عن عقدة نقص تجاه كل إبداع او محاولة منهم للتقليل من شان العمل ، فهم لم يقدروا ان يباروا او يتباروا و ينافسوا في المنافسة المحمودة بل السلبية ديدنهم ، و لأن الإحباط يسكنهم فتراهم يتأفغون و يكسّروا مجاذيف الأشرعة حتى لا تُبحر سفن الناس بخير ..
إن أمطرت السماء قالوا ” أثقلتْ” ، و إن أحجمت قالوا ” أمحلت ” ْ، في الصيف يكرهون هذا الضيف ، و في الشتاء لا يسمعون إلا عواء الأنواء ، في الربيع يسخرون من زركشة اللون البديع ، و في الخريف يتشاءمون من أوراق شجرٍ سكنت الرصيف . هم وحدهم على وتيرة واحدة لا تتغيّر ، مع أن الخالق سبحانه وتعالى جعل في اليوم الواحد النهار و الليل ، و في تعاقب الفصول فرصة للتجدّد و منعا للملل من الروتين القاتل ، و لو نظروا إلى أشكال البشر لأدركوا الحكمة الضالّة عنهم ، فهناك الجمال و هناك الجماد و منّا طويل القامة و منّا قصارها ……
و لننظر إلى تفاوت المهن ، فلنفترض أن كل الناس إختارت مهنة الطب ، فمن يعجن و بخبز الرغيف ؟ و من يدافع و يردٌ الحقوق ؟ و من يرسم و يبني ؟؟؟..إلى مهن كثيرة نحسبها دون المستوى ، بينما هي مكملة لحياتنا … فأحيانا نكون تحت وطأة عامل بسيط يُعيد لنا الضوء بعد اعطال ، او يُعيد الماء إلى المواسير ، حكمة الله سبحانه وتعالى في التنوع ،،،
و هكذا نجد من ينتقد لوحة و هو لا يعلم ابسط قواعد الرسم ، و منهم من يعتب على فلان لأنه بنى مسجدا و لم يبنِ ِمدرسة، و إن فعل ما قالوه لأردفوا لو انه بنى جامعا ” فهذا اقرب للتقوى ” … هؤلاء على نسيج واحد و تفكير واحد مع ان الناس على تنوّع حتى في العبادة ، فمنهم من( عبد البشر ) مثل اتباع فرعون و بوذا و بعض طواغيت الحكام ، و منهم من ( عبد الحجر ) امثال بلهاء هُبل و اللات و العُزّى، و منهم من ( عبد الشجر ) كبعض قرائن إبليس الذين يعبدون الشجرة التي أخرجت أبوينا من الجنة .. حتى في قمة الإرتقاء الديني طغى بعض المسلمين في تقديسهم للشجرة التي تمت حولها ( بيعة الرضوان ) فيتوقفوا عندها كأثر للتبريك ، فأدرك معاني الشُرك الخفيّ الخليفة الراشد سيدنا ” عمر ” رضى الله عنه ، فقام بقطع الشجرة ( من شلوشها ) و بوركت يداه ، و منهم من( عبد البقر ) كبعض شعوب الهندوس ، و منهم من ( عبد الشرر ) كالمجوس الذين( عبدوا النار ), و منهم من ( عبد إلهاً واحدا لا شريك له ) و هم الفئة الناجية .
فالتنوّع يفرض نفسه في كل حياة و تفاصيل الإنسان ، و الكل يحترم خصوصية المعتقدات ، و يعمل كل أصحاب المهن على ابتغاء التكامل …و هكذا تكتمل دورة الحياة و لا يُنقص من شأنها إلا ” شلّة ” ممن لا يعجبهم العجب ، يعترضون على الملابس و شكل العيون و مشية الأقدام و اللون الأبيض الذي يقهرهم و يهزمهم ، و الأبيض كل عمل إجتهد صاحبه ، فإن أصاب فله الأجر المضاعف ، و إن أخطأ فله أجر المحاولة…
و الذين لا يعجبهم العجب مثل ” البعوض ” يتواجد في معظم البيوت و كل الشوارع و كل المدن في العالم ، لان البعوض لا يتكلم لغة من يعقصهم ، فقط يعيشون على امتصاص الدم ، و هم ايضا على هذا المنحى يلذعون بألسنتهم و يلسعون بإنتقاداتهم ينتقدون فقط و لا يتحاورون و لا يعطون انفسهم فرصة لفهم اعمال الآخرين و مقاصدهم ، بل السلبية و الانتقاد سمتهم الظاهرة.
و كانت المجتمعات الراقية المسكونة بالحضارة قد نبذتهم و حاذرتهم لانهم ” لا يعجبهم العجب و لا الصيام برجب ، و إن امطرت النخيل بالرطب اصابهم العطب “