عروبة الإخباري – د. فلك مصطفى الرافعي –
ليس من عبث أن يطير هذا المثل كالنار في الهشيم ، فهو وليد الخبرة و التجربة ، و ليس فقط من قبيل الحكمة و الثقافة، و إن كان يحمل بذورهما.
فتحتْ هذا المُسمّى و بدافع الحب المفترض أو المبني على أسس واهية أو مغلوطة أو ممارسة خطأ للوداد ، تتعرض الأنفس للأذى المؤدي إلى الموت غالبا ، و كم تداولنا في حداثة التعليم عن قصص تصبّ في هذه الخانة.
يُحكى أن دبّا يعشق صاحبه لحسن معاملته و يخاف عليه و يدافع عنه أمام الضواري ، فيحميه من عبث القوة .. و في يوم إستراح صاحب الدبّ في ضلع وارف من ضلوع الغابة حيث كان يحتطب، و راح في سُبات عميق لفرط التعب .. و كان الدب صاحيا مراقبا أية حركة تؤذي الرجل، غير أن ذبابة عابثة راق لها إستعراض خفتها و نزقها على وجه النائم، و في غريزة معقولة حاول الدبّ منعها وفق أساليبه البدائية، و لما لم يفلح و لم ترعوِ الحشرة اللئيمة عن غيّها، بحث الدبّ الوفي عن حجر كبي، و انتظر وقفتها على الوجه الحالم، و ضربها حيث هي، و لا ندري هل نجت بفعل سرعة بديهيتها من استشعار المخاطر، غير أن من المؤكد أن صاحب الدبّ قضى نحبه تحت راية:
“و من الحب ما ….. قتل!”
قصة رجل و دب و ذبابة ، أي أنها بين العقل و الغريزة المتأرجحة بين الحيوان الضخم و الحشرة الصغيرة.
إلى امير الشعر العربي “المتنبي” و امانيه المأزومة بتولي إمارة ، و لم ُيُفلح مع صديقه امير حلب و لا مع كافور الاسود امير مصر، فعاد أدراجه يجرّ خيبات و لا يلوي على شئ قاله في مدح غيره أو نفسه أو ما قاله في هجاء، و من ابياته ما أصاب قريبة فارس و يُدعى الضبّة، حتى التقاه في تعاريج طريق بعيدة عن صحبة أبي الطيّب، فطلب نزاله لأنه أساء القول و رمى إمراة بالعيب ، فحاول المتنبي و هو يعلم مدى فتك و بطش مبارزه أن يتملّص ، غير أن غلام المتنبي المُحب له و العاشق لقصائده قال له: اقبل سيّدي أما انت القائل:
“الخيل والليل و البيداء تعرفني،
و السيف و الرمح و القرطاس و القلم”…
و يُحكى أن أبا الطيّب و هو يترجل عن فرسه تمتم قائلا: “ويحك يا غلام لقد قتلتني”… فكان حب مرافقه له و غيرته عليه و ظنّه أنه المقدام جعله المساهم الأول و بإسم الحب أن يكون بطل القوافي، مجرّد قافية شعبية في جدول ….؛
“و من الحب ما…. قتل !!”
هي قصص قديمة؟ … اجل !
فهل إتعظنا و هل أخذنا الحذر من تجارب من سبقونا ؟؟ فلننظر كيف البعض يقتل أولاده حبّا بالدلال و سوء التربية و عدم إجراء أدنى درجات العقاب إن اخطأوا أو تراجعت مستويات علاماتهم المدرسية ، و كيف يقتل البعض فلذات أكبادهم عندما يخضعون لطلبات فيها الكثير من الإتكال و عدم الإكتراث و الحيطة و الحذر من مركبات سريعة فارهة أو ممارسات قاتلة أو إعتداءات على الغير تقودهم للموت …
هي قصص قديمة؟؟ …. اجل !!
و نحن على مدى عقدين من الزمن و اكثر نقتل وطننا و ندمره بإسم الحب ، و كل محترب يرفع راية البلد و يصوّب على الآخر بإسم حب الوطن ، و الآخر يبادله نفس الحب و الشعور و الوسيلة في التخريب ..
فكلّما رأيتُ دمارا أو انهيارا أو إحترابا عبثيا ، ليس من عدو فقط و إنما من أهل الدار صرختُ بصمتٍ موجع :
“و من الحب ما….. قتل !!”
مات الكثير و لكن أدعياء الحب القاتل ما زالوا أحياء ….
دبّ الرجل ، و غلام المتنبي كلهم متربصون في شوارعنا العربية و أزقننا و مضارب قبيلتنا و أحكامها و حكّامها !!.