هم في حقيقة الأمر خونة. معظمهم عملاء بشكل مباشر أو غير مباشر عامدين متعمدين أو جاهلين مغرر بهم. منذ ابتلينا بوسائل التواصل الاجتماعي التي صارت منصات تهافت، تناحر، وأخيرا تنمّر اجتماعي، زاد بعض التعساء الأشقياء من تنمّرهم فما عاد اجتماعيا فقط بل صار سياسيا وأمنيا. صار التنمّر ليس فقط تحريضا على أسس سياسية إديولوجية أو عابرة للحدود، بل هادمة حارقة لجسور التواصل والتحاور «بالتي هي أحسن»، وبلغ الأمر حد الدعوة إلى القتل والخطف والتعذيب! الطامة الكبرى، أن ذلك التهديد على سخافته وتفاهة مطلقيه، سواء استخدموا أسماء صحيحة أو وهمية وحسابات حقيقية أو مزيفة مختلقة -روبوت- ذاتية التشغيل المعروفة اختصارا ب»بوتس»، لا بد أن يؤخذ ذلك التهديد بأقصى درجات الجدية، حسب الأصول.
بطبيعة الحال، ثمة أصول قانونية، أما الأولى البدء بها دائما فهي القواعد والمعايير والضوابط المهنية. في حالات الشتم أبلغ شيء هو التجاهل. المسيء خاصة من افترى مهما علا زعيقه يبقى نكرة خاصة إن تخفّى، والتفاعل في معظم الحالات خدمة للمتنمرين وللعملاء والخونة. وقد يكون الشخص المستهدف نفسه أو من هم في صفه جميعهم من المتضررين، فيقع الأذى لا على الأشخاص فقط، بل والقضية التي من أجلها تم استهدافهم في المقام الأول وهي غالبا ما تكون قضية إيمان أو وطن وهما من النور ذاته. أما في حالة انتقال التنمر من الشتم البذيء إلى التضليل القميء، حينها لا بد من الاشتباك الإيجابي، من عيار «قل كلمتك وامش»! فإن انحدر الوضع إلى منزلقات التحريض ومهالك التهديد بالإيذاء على أي درجة كانت، فلا بد من الإسراع في التبليغ ومن ثم الحظر. ولهذين الأمرين أيضا درجات. التبليغ قد يكون كافيا للمنصة التي تم استخدامها في توجيه التهديد. لكن من الواجب أيضا تبليغ الجهات الأمنية، وإن لزم الأمر إحاطة جهات قادرة على الدعم والإسناد علما ومنها البرلمان والصحافة، خاصة في بلاد المسيء أكثر من الذي تمت الإساءة إليه. كذلك الحال بالنسبة للحظر، فمن درجاته إلغاء متابعة أو ربما حتى حظر من هم على شاكلة المسيء الأول، بما في ذلك خانة التعليقات أو مجرد ضغط أو لمس إشارة الإعجاب «لايك»، لأن في ذلك وخلافا لما يزعم البعض، في ذلك دعم للمنشور بمعنى الإساءة.
ورغم وجود أمثلة بالإمكان الإشارة إليها بالمحتوى أو الأسماء -كالأشخاص، الجهات، التنظيمات أو البلاد- فإني أربأ بهذا المنبر المحترم أن أتطرق لأمور شخصية سواء كانت تخصني أو صادفتني في حياتي المهنية أو الشخصية هنا في بلاد العم سام أو في بلاد أخرى مجاورة وبعيدة. لكن من الواضح أنه كلما أوجع النشامى العدى زاد النباح والعواء! البعض يقول ألا من مزيد؟
فذلك «يطربني»! لست منهم، فخطاب الكراهية مدان أما التحريض، فيستدعي ما هو أكثر من الوعي للمكافحة، يستدعي الدعم والإسناد الإعلامي والقانوني والسياسي والأمني، إن تطلب الأمر. فما بين يدي من أمثلة أحتفظ بها لنفسي عن مجموعة من الإخوة والأخوات الذين تم استهدافهم الكترونيا في الوطن والمهجر -فقط خلال الأسابيع القليلة الماضية- ما يكفي مادة لخلوة تقتصر على صناع وأصحاب القرار، لا ندوة أو حلقة بحث لخبراء أو نشطاء، وقطعا لا مؤتمرا أو منتدى توزع في ختام فعالياته السياحية الدروع والجوائز وأنواط المعازيم المعازيب!
ثمة استهداف للأردنيات والأردنيين حتى في أمريكا الشمالية -أحدثها حالات في أمريكا وكندا- فضلا عن حالات تم رصدها في عدد من الدول الأوروبية والاسكندنافية! التنمّر والتحريض بحقهم يهدف إلى تخويفهم، وبالتالي إسكاتهم، أو إبعاد الناس عنهم اتقاء لشرور المتنمرين. فهل يتم إخلاء الساحة لأولئك الأوغاد؟ قد شاهت الوجوه، والقانون لا يحمي المتنمّرين وإن كانوا مغفلين!