عروبة الإخباري –
المرأة اللبنانية كانت ولا تزال رمزًا للقوة والإصرار في مواجهة التحديات، على الرغم من الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد في الآونة الأخيرة، سواء من أزمات إقتصادية وإجتماعية أو حروب، إستطاعت المرأة اللبنانية أن تبني لنفسها مكانًا مميزًا في كافة مجالات الحياة، من السياسة، التعليم، الثقافة إلى الإقتصاد، أثبتت المرأة اللبنانية قدرتها على التأثير والتغيير، ورغم ما تحققه من إنجازات، إلاّ أنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة في مجالات عدة، تتراوح بين القوانين والأوضاع السياسية التي تحد من حقوقها.
إنّ النساء اللبنانيات إستطعن الحصول على حقوقهن في المجال السياسي تدريجيًا، ففي عام 1953، كانت المرأة اللبنانية قد حصلت على حق الانتخاب، لكن المشاركة الفعلية في الحياة السياسية مازالت محدودة. في السنوات الأخيرة، بدأنا نرى زيادة ملحوظة في نسبة النساء اللواتي يتقلدن المناصب السياسية في لبنان، حيث شهدنا في إنتخابات عام 2022 شاركت 118 إمراة مقارنة بـ 86 مرشحة في عام 2018، وبالرغم من ذلك لا يزال التمثيل البرلماني للمرأة منخفضاً ولم تصل إلى البرلمان سوى 8 مرشحات من أصل 118، حيث بلغت نسبة النساء النائبات 6.25 في المئة (مقابل 4.6 في المئة في العام 2018، هذه النتائج أثرت بشكلٍ كبير على ترتيب لبنان في التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين، حيث إحتل المركز 133/143 عام 2024، لهذا الأمر نحن ندعو دوماً الى إقرار قانون الكوتا النسائية في الإنتخابات المقبلة من أجل وصول النساء لمراكز صُنع القرار وإرتفاع نسبة مشاركة النساء اللبنانيات في الحياة السياسية.
بالإضافة الى تحديات المجال السياسية تواجه المرأة اللبنانية القوانين المجحفة بحقها ولعل أبرزها:
1-قوانين الأحوال الشخصية في لبنان من القضايا المثيرة للجدل، إذ تنظمها طوائف دينية مختلفة بدلاً من وجود قانون مدني موحد، هذا التعدد في القوانين يؤدي إلى تباين كبير في حقوق النساء من طائفة لأخرى، مما يعرضهن لتمييز واضح في قضايا الطلاق والميراث والحضانة.
في ظل غياب قانون مدني موحد، تظل المرأة اللبنانية تتعرض لظروف قانونية غير عادلة، مما يستدعي ضرورة الإصلاح القانوني لضمان حقوق جميع النساء، بغض النظر عن إنتمائهن الديني. وعلى الرغم من أن هناك تقدمًا في العديد من هذه القضايا، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً لتحقيق المساواة الكاملة في المجتمع اللبناني.
2-إقرار قانون يمنع زواج القاصرات، في الوقت الذي يسمح فيه قانون الأحوال الشخصية لبعض الطوائف بزواج الفتيات في سن مبكرة، قد تتراوح أعمارهن بين 14 و18 عامًا، مما يعرضهن لمخاطر صحية وإجتماعية ونفسية. ورغم الجهود التي تبذلها المنظمات الحقوقية من أجل حظر هذا النوع من الزواج، إلا أن التشريعات الحالية تظل غير كافية لحماية القاصرات.
3-إعطاء الأم اللبنانية حق منح الجنسية لأولادها، تظل قضية منح المرأة اللبنانية حق منح الجنسية لأبنائها أحد أبرز القضايا الحقوقية التي تثير الجدل في لبنان، وفقًا للقوانين الحالية، يقتصر حق منح الجنسية اللبنانية على الأب فقط، مما يضع المرأة اللبنانية في موقف غير عادل، حيث لا تستطيع منح جنسيتها لأطفالها إذا كانت متزوجة من غير لبناني. هذا التمييز القانوني يحرر المرأة من حقها الطبيعي في تمكين أبنائها من التمتع بجنسية وطنها، وهو ما يعكس الحاجة الماسة إلى تعديل القوانين لتكون أكثر إنصافًا ومساواة بين الجنسين.
رغم كل ما نمر به لعبت المرأة اللبنانية دوراً بارزاً في الحرب الأخيرة على لبنان، فقد خاضت النساء اللبنانيات معركة البقاء والصمود في وجه العدوان على لبنان، العديد من النساء شاركن في أعمال الإغاثة، وقمن بتقديم المساعدة للمتضررين من الحرب، وكنَّ في خطوط الدفاع الأولى لأكثر من 66 يوم في الحرب .
اليوم، لا تزال النساء اللبنانيات تلعب دورًا في تعزيز الإستقرار الإجتماعي والإنساني في البلاد. ففي حالات الطوارئ، وجدنا المرأة اللبنانية في صدارة العمل التطوعي، من خلال تقديم الدعم النفسي والإجتماعي للأطفال والعائلات المتضررة من الأزمات، في السياق العسكري، أيضًا، لعبت المرأة دورًا في بعض الجبهات، من خلال عملها كطبيبة أو مسعفة، وأحيانًا كمقاتلة تدافع عن الأرض والعرض.
في يوم المرأة العالمي، أوجه أسمى التقدير والإحترام لكل إمرأة لبنانية، أكانت في المنزل، أو في العمل، أو في الشارع، أو على الجبهة، إن جهودها المستمرة في بناء لبنان، سواء في أوقات السلم أو الحرب، تمثل مصدر إلهام حقيقي لكل الأجيال.
المرأة اللبنانية أثبتت أنها قادرة على التحدي والصمود في وجه الصعوبات، وأنها تسهم بشكل غير محدود في تقدم المجتمع. وعلى الرغم من كل التحديات التي تواجهها، فإن إرادتها وعزيمتها لا تعرف المستحيل.
كل إمرأة لبنانية، بمهاراتها وتفانيها، هي عنصر أساسي في نسيج المجتمع اللبناني، ومن حقها أن تُكرم وتُحتفل بإنجازاتها في هذا اليوم. لذا، في هذا اليوم العالمي للمرأة، دعونا نُشيد بكل امرأة لبنانية ساهمت في إعلاء شأن بلادها، ولنسعى جميعًا لتحقيق المزيد من التقدم في مسار المساواة والعدالة.
*د. ملكة “باحثة قانونية ومنسقة في قطاع الحماية القانونية في جمعية أوردا”