عروبة الإخباري – د. فلك مصطفى الرافعي –
في مطلع وعيّ، كنت اتعمد المكوث في غرفة لصيقة بمجلس والدي العلاّمة الرافعي ـ يرحمه الله سبحانه وتعالى ـ الذي كان يضم باقة من السياسيين و رجال الدين و الاجتماع و من مختلف المشارب، و ذلك بغية الاستفادة من المعلومات، و استشراف الأحداث وفق رؤية الكبار.
دأب والدي على سلوك الجديّة في معرض حديثه عن بعض أهل السياسة إن كان على توافق معهم او اختلاف، إلا في معرض ذكره لرئيس الحكومة الراحل “الحاج حسين العويني” فكان إذا ذكره يفتر ثغره دائما عن ابتسامة عريضة تقارب الضحك الناجم عن إعجابه بشخصيته الفريدة، و خاصة كلمته الشهيرة “هيك و هيك”، التي طالما استعملها عند سؤاله عن احوال البلد السياسية، و أراد اختصار الموقف، فيطلقها و يمشي، و عن سائل عن الأوضاع الاقتصادية فيلجأ إليها كطوق نجاة، و من مستفهم عن الوضع الوزاري فيفتح ذراعيه و هو يمشي قائلا: “هيك و هيك”، هذه الجملة القصيرة التي كانت معظم ردود الحاج حسين ليبقى السائل في حيرة أكثر من ما قبل طرح السؤال و الاستفهام و الاستعلام.
جملة على بساطتها و ظرفها تحمل في طيّاتها كل الوضع و يترك للمتسائل حرية فهم الأمور حسب تفسيره الشخصي و ليس تماما كما يقصد الرئيس الظريف، حتى اذا إدلهمّ خطب بين الاحتراب و السلام كان على حق في مقولته، و اذا تمايل الميزان الاقتصادي بين الاستقرار و التردّي كان على صواب في مقاله ، و ٱذا استأنس انسجاما حكوميا أو بوادر ترحيل لها بإختلاق أزمات داخلية كانت الكلمة الساحرة و السحرية في توصيف رائع لما يحدث.
في حينها كنت معجبة بشخصية “الحاج حسين العويني” تقليدا لإعجاب والدي به، و لعل ما نعانيه و نكابده اليوم في كل تفاصيل حياتنا فرضت علىّ ذاكرتي إستحضار تلك الشخصية الرائعة، فكأن الامس البعيد هو النسخة المنقحة لكل ما يجري اليوم حربا و سلما، تراجعا اقتصاديا و استقرارا يشوبه الحذر، و كل الحكومات المتعاقبة طرأ عليها الاختلاف و الخلاف و نادرا الانسجام الكامل، و لعل في دخولنا هذه الايام في مشارف فصل الربيع الذي هو بحق سيد الفصول على طريقة “هيك و هيك” بين القيظ النهاري و البرودة الليلية و تراكم الغيوم الممتنعة عن الهطول و قد تفعلها في كل ساعة قادمة.
كنت اتمنى ان يكون الرئيس العويني على قيد الحياة لاعطيه تفسيرا منطقيا لمقولته التي ماتت بموته.
و لا شك انها فلسفة حكيمة صاغها الرئيس العويني بتعبير شعبي، فكم من مسؤول كان و ما زال و ربما سيبقى في فمه ماء، فينزع للجوء إلى مفردات تبدو ضبابية، غير انها تحمل في احشائها كل تفاصيل المعضلة، لتبقى الحلول الناجعة “هيك و هيك”.