عروبة الإخباري – كتب : اشرف محمد حسن
في عهد إدارة دونالد ترامب الأولى، انسحبت الولايات المتحدة في عام 2018 من الاتفاق النووي الإيراني مما أثار جدلا شارك فيه الرئيس الأسبق باراك أوباما حول تداعيات ذلك على موثوقية واشنطن في الالتزام بالاتفاقيات التي تعقدها وقبيل دخول ترامب مجددا للبيت الأبيض، رعى اتفاقا لوقف إطلاق النار في غزة يتكون من 3 مراحل، تبلغ مدة كل مرحلة منها 42 يوما، على أن تبدأ المرحلة الأولى في 19 يناير/كانون الثاني 2025 وتبدأ مفاوضات المرحلة الثانية في 3 فبراير/شباط 2025. وبالفعل نُفذت عمليات تبادل الأسرى في المرحلة الأولى رغم أزمات تخللتها، وشملت الإفراج عن 1755 أسيرا فلسطينيا مقابل الإفراج عن 25 أسيرا صهيونيا و8 جثث لأسرى صهاينة .
ولكن خلال المرحلة الأولى من الاتفاق صرح ترامب بأنه سيدعم خيار الحكومة الكيان الصهيوني تجاه غزة أيا كان، سواء مضت في تنفيذ الاتفاق أو أرادت تعديله أو حتى التملص منه، مما أعطى ضوءا أخضر للنتن ياهو الذي تعهد سابقا لحلفائه في الائتلاف الحكومي بعدم المضي في تنفيذ المرحلة الثانية التي تتضمن الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) ضمن انسحاب من كامل قطاع غزة وبالتزامن مع إطلاق سراح بقية الأسرى الأحياء، وتمهيدا لبدء عملية إعادة الإعمار لاحقا في المرحلة الثالثة وفي خطوة متوقعة بعد تمهيد ترامب، أعلن مكتب رئاسة الحكومة الكيان الصهيوني مطلع مارس/آذار موافقته على مقترح أميركي جديد للتفاوض يختلف كلياً عن الاتفاق سالف الذكر، ويقوم على تمديد المرحلة الأولى في شكل هدنة مؤقتة خلال شهر رمضان وعيد الفصح مقابل الإفراج عن نصف الأسرى الإسرائيليين خلال اليوم الأول من الهدنة، مع تجاهل الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، وهو ما رفضته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وعقب ذلك أعلن جيش الاحتلال في 2 مارس/آذار إغلاق المعابر مع قطاع غزة ووقف إدخال المساعدات الإنسانية مع انتهاء المرحلة الأولى، في انتهاك فاضح لاتفاق وقف إطلاق النار، ولعل ان السبب الحقيقي وراء تأخير زيارة المبعوث الأمريكي الى المنطقة ستيفن ويتكوف يأتي بهدف الحصول على المزيد من الوقت لدراسة طبيعة ردود الفعل من قبل دول المنطقة والمجتمع الدولي بشكل عام .
هذه التناقضات ليست غريبة عن الإدارات الامريكية المتعاقبة فهي لطالما عملت عل القاء المفاجئات وباشكال غير متوقعة ترسلها بشكل بالونالت اختبار لقياس ما تستطيع ان تفرضه دون ان يلاحظ احد فاذا رأت رفضاً قوياً ولاجماً لها عدلت مواقفها وأوضحت انها لا تعني ما صدر عنها حرفياً وتصلح مواقفها بما يرضي الأطراف والاقطاب الدولية فيما تحاول بطرق غير مباشرة تحقيق ما تصبو اليه بالتحايل اما اذا لمست تجاوباً ايجابياً او عدم اكتراث من قبل المجتمع الدولي وبالاخص رداً من قبل القوى الدولية الكبرى مضت فيه وحتى وان تخلله بعض الإشكاليات لتستخدم آنذاك نفوذها وثقلها الاقتصادي والعسكري في محاولات لاقصاء باقي القوى الدولية الأخرى ونجحت سياسات اداراتها المتعاقبة الى حد كبير في سحب البساط من تحت اقدام باقي القوى العالمية بحيث باتت لاتقيم وزناً حتى لهذه القوى في قراراتها المفاجئة اذ أصبحت اغلب الدول تسير كالخراف وراء المرياع دون مناقشة .
ومن حالات انسياق العالم وراء الإدارات الامريكية الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله وبمصوغ كاذب وانسياق كثير من الدول ورائها حتى وصفت تحركات ورئي وزراء بريطانيا آنذاك انطوني بلير بانه وزير خارجية جورج بوش وعلى الرغم من مؤازرة الكثير من باقي الدول الاستعمارية في تلك الحرب الا انها لم تحصل على شيء قياساً بنصيب الولايات المتحدة اما اليوم وبنظرة بسيطة الى الحرب الأوكرانية الروسية فقد بات واضحاً ان هدف الولايات المتحدة هي فقط المعادن النادرة في أوكرانيا لضمان ما انفقته الولايات المتحدة في هذه الحرب دون إعطاء اية ضمانات فهي بشكل عام تريد أموالا ولا تريد قتالا في مواجهة مباشرة مع روسيا .
بالرغم من الإعلان عن نية الإدارة الامريكية الانسحاب وتقليص وجودها العسكري خارج حدودها كونه اصبح مكلف مالياً لها بما في ذلك خفض الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لاوكرانيا في حربها ضد روسيا والتي هي من كان وراءها الا ان الكثير من الدول الأوروبية لا تزال تحاول الوثوق بالولايات المتحدة فقد قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن زعماء أوروبيين وافقوا على وضع خطة سلام لأوكرانيا من أجل عرضها على الولايات المتحدة، وهي خطوة مهمة لواشنطن من أجل تقديم ضمانات أمنية تقول كييف إنه لا غنى عنها لردع روسيا وأضاف ستارمر، الذي رحب بالرئيس الأوكراني زيلينسكي ترحيبا حارا، وقال إن بريطانيا وأوكرانيا وفرنسا وبعض الدول الأخرى ستشكل “تحالف الراغبين” وتضع خطة سلام لعرضها على ترامب وقدم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اقترحا يتضمن أن ترفع الدول الأوروبية إنفاقها الدفاعي إلى ما بين 3 و3.5% من إجمالي الناتج المحلي، في مواجهة تبدّل السياسات الأميركية في عهد ترامب، الذي بدأ محادثات مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، من دون أن يدعى إليها الأوروبيون وكييف وبدوره رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إن القادة اتفقوا على ضرورة أن تتحمل أوروبا مسؤولية كبرى، وأن تزيد من إنفاقها على الدفاع في إطار حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مؤكدا أهمية الحفاظ على متانة العلاقات مع الولايات المتحدة .
اما الرئيس الاوكراني فلادومير زيلينسكي قال في بيان له عقب القمة الأوروبية، أن أوروبا قدمت دعما واسعا لشعب وجنود أوكرانيا واستقلالها، مشيرا إلى الحاجة للعمل جميعا في أوروبا لإنشاء قاعدة قوية للتعاون مع أميركا من أجل السلام الحقيقي والأمن المضمون وخلال مؤتمر صحفي لاحقا، قال زيلينسكي إن بلاده ما زالت مستعدة للتوقيع على اتفاق بشأن المعادن مع الولايات المتحدة، مؤكدا أن أوكرانيا تعتمد على المساعدات الأميركية، وأن وقفها لن يساعد إلا (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين .
وعلى الرغم من اتضاح الرؤيا حول النوايا الامريكية الحقيقية تجاه ما ستجنيه من الحرب الأوكرانية (المعادن النادرة) والتي عملت دائماً على تأجيجها وتوريط الدول الأوروبية فيها وبشكل مباشر الا انها وفي محاولات الضغط على أوكرانيا فقد أعلنت رسمياً عن وقف ارسال السلاح الى أوكرانيا ونقلت رويترز عن البيت الأبيض أن واشنطن ستوقف الدعم لأوكرانيا وستراجعه لضمان إسهامها في حل للصراع وكان موقع بلومبيرغ نقل عن مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية أن الولايات المتحدة توقف كل المساعدات العسكرية الحالية لأوكرانيا بما فيها الأسلحة التي في طريقها إلى أوكرانيا أو تلك الموجودة في مناطق العبور في بولندا .
وقال ترامب الولايات المتحدة قدمت لكييف أكثر مما قدمته أوروبا، وأنه يريد أن تنتهي الحرب في أوكرانيا بسرعة وألا تستمر لسنوات وكان ترامب قد وصف زيلينسكي، في كلمة له بقمة نظمها معهد مبادرة مستقبل الاستثمار السعودية، في ميامي الأميركية، زيلينسكي بأنه “رئيس كوميدي” أقنع الولايات المتحدة بإنفاق 350 مليار دولار لخوض حرب لا يمكن الفوز بها وقال إنه طالب باتفاقية بشأن المعادن الثمينة مقابل هذه الأموال، حيث أرسل في وقت سابق وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إلى كييف، لكنه لم يوقع على الاتفاق المعروض أمام زيلينسكي .
وفي وقت سابق اعتبر ترامب عقب ختام اجتماعات الرياض بخصوص الحرب الروسية الاوكرانية أن حضور زيلينسكي محادثات السلام مع روسيا ليس “ذا أهمية كبيرة”، لافتاً إلى أن “أوكرانيا ليس لديها أوراق للعب بها”، في وقت شن فيه نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس هجوماً لاذعاً على زيلينسكي، جازماً أن “أوكرانيا لم تكن موجودة لولا كرم الولايات المتحدة”، ورأى أن “ما فعله زيلينسكي أمر غبي، إذ لن يغيّر التحدّث بسوء عن ترامب في الأماكن العامة رأيه”، في إشارة إلى تصريح زيلينسكي بأن ترامب يعيش “في فضاء المعلومات الروسية المضلّلة” وأشار إلى أنه كان بإمكانه الحضور لإجراء محادثات مع روسيا في السعودية لو أراد ذلك .
باختصار.. لقد بات واضحاً تماماً ان الإدارات الصهيونية والأمريكية تمارسا النصب والاحتيال السياسي فهي مارست الأكاذيب والتضليل مراراً وحتى على اقرب حلفائها وتاريخها حافل في نقض المواثيق والمعاهدات الدولية والإنسانية.. انهم حقاً.. من لا امان.. ولا عهد لهم.
لا عهد لهم.. أمريكا كيان بلا ميثاق ولا مصداقية
16