عروبة الإخباري – طلال السكر –
يعكس مقال الدكتورة فلك الرافعي، بأسلوبه الأدبي العميق حنينًا إلى الماضي، حيث كانت القيم الاجتماعية الأصيلة تشكل نسيج الحياة اليومية، ومن أبرزها عادة “السكبة”، التي تجسد معاني التكافل والتراحم بين الجيران. إنها ليست مجرد عادة لتبادل الطعام، بل رمز لمجتمع مترابط قائم على الإيثار والمودة، حيث كان للأخلاق والمروءة دور محوري في توثيق العلاقات الإنسانية.
أبرزت الكاتبة بمهارة الفجوة الشاسعة بين الماضي والحاضر، حيث تحوّلت العلاقات من دفء العطاء والتشارك إلى برود التباعد والانعزال، ولم يعد الجار يعرف جاره، وانطفأت تلك الأواصر التي كانت تجعل من الحيّ أسرة ممتدة. لقد فقد المجتمع روح الجماعة التي كانت تحميه من التفكك، وهو ما انعكس في طغيان الفردية والمادية على العلاقات بين الناس.
كما أبدعت د. الرافعي، في استدعاء الصور الحسية والرمزية، فالمقارنة بين “صينية القش” العامرة بألوان المحبة، وبين صحون اليوم التي قلّما تُرد إلا بفتور، تحمل دلالات عميقة على التحولات الاجتماعية التي طرأت على القيم والتقاليد. كذلك، فإن استحضار صورة الكنائس والمساجد المتجاورة يرسّخ مفهوم العيش المشترك، الذي كان يومًا ما أساسًا متينًا للوحدة والتآخي، قبل أن تعصف به رياح الفرقة والانغلاق.
ورغم هذه النظرة الحزينة، يبقى في المقال دعوة ضمنية لإحياء تلك العادات، ليس بالضرورة بنفس الشكل، ولكن بالمضمون الإنساني ذاته، عبر إعادة ترميم جسور التواصل بين الجيران، وإعادة بث روح التكافل في المجتمعات. فالسكبة ليست مجرد طبق طعام، بل قيمة أخلاقية يمكن أن تتجلى في أشكال جديدة تناسب العصر، لكن دون أن تفقد جوهرها النبيل.
المقال بمفرداته الرشيقة وأسلوبه الحيّ ليس مجرد سرد لذكرى زائلة، بل هو ناقوس يقرع لينبهنا إلى ما فقدناه، ويدعونا إلى البحث عن سبل لاستعادة جزء من ذلك الدفء الإنساني الذي كانت “السكبة” أحد تجلياته البسيطة والعميقة في آنٍ معًا.