عروبة الإخباري –
الدستور –
«أحييكم أينما كنتم وحيثما وجدتم، ضباطًا وحرسًا وجنوداً» بهذه الكلمات خاطب جلالة الملك الحسين، رحمه الله، الجيش والشعب الأردني في الأول من آذار عام 1956، يومٌ سُطّر فيه قرار تاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي، واضعًا بذلك اللبنة الأخيرة لاستكمال استقلال المملكة الأردنية الهاشمية.
كان القرار سياديًا وسياسياً مجسّداً روح القيادة والإرادة الحرة. لهذا، نحتفل اليوم، كما في كل عام، بهذه المحطة الفارقة في تاريخ الأردن.
في الوقت الذي كان الأردن لا يزال يعتمد على المساعدات العسكرية البريطانية، وكان جيشه بقيادته العليا خاضعًا لهيمنة الضباط الأجانب، أدرك الحسين، القائد الذي تحمل مسؤولية الحكم في سن مبكرة، أن السيادة الوطنية لا تكتمل إلا باستقلال القرار العسكري، وأن بناء جيش وطني بقيادة عربية هو الضامن الحقيقي لحماية الأردن ودعم قضايا الأمة.
وفي ذلك اليوم الحاسم، دعا جلالته إلى اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، وأصدر قراره بإعفاء الفريق كلوب من منصبه، وترقية الضباط الأردنيين لقيادة الجيش. لم تكن الخطوة سهلة، بل كانت ضرورية، فقد كان الأردن يواجه تحديات سياسية وعسكرية واقتصادية، خاصة مع احتمالية توقف المساعدات البريطانية اّنذاك. إلا أن الملك، مدفوعًا بإيمانه بوطنه وبقدرة جيشه على النهوض، لم يتردد في إتمام هذه الخطوة، مؤمنًا بأن الاستقلال لا يُستكمل إلا بتحرر الإرادة الوطنية من أي وصاية أجنبية.
سُطّر التاريخ هذا اليوم بأحرف من ذهب، فما إن بثّت الإذاعة الأردنية القرار، حتى خرج الأردنيون إلى الشوارع احتفاءً بهذا الإنجاز، متوجهين إلى قصر رغدان ليجددوا بيعتهم للملك. لم يكن تعريب الجيش حدثًا محليًا فحسب، بل امتد صداه إلى أرجاء العالم العربي، إذ أشعل روح القومية العربية، وشكّل مصدر إلهام لحركات التحرر التي كانت تسعى إلى التخلص من بقايا الاستعمار.
لم يكن تعريب قيادة الجيش مجرد إجراء إداري، بل كان منعطفًا حاسمًا في تاريخ العزة والكرامة لشعبٍ أبيّ، كان يوم أكد فيه الملك الحسين أن الإرادة الوطنية قادرة على التحرر من التبعية، وأن الاستقلال لا يُختزل في إعلان سياسي، بل هو فعل يتطلب الشجاعة والحسم.
واليوم، وبعد أكثر من سبعة عقود، لا يزال هذا القرار شاهدًا على السيادة والكرامة، يروي للأجيال قصة الأردن الفخور الذي خطّ مسيرته المستقلة بقرار نابع من إرادته الحرة.
«وأنت أيها الشعب الوفي، هنيئاً لك جيشك المظفّر الذي وهب نفسه في سبيل الوطن ونذر روحه لدفع العاديات عنك، مستمداً من تاريخنا روحَ التضحية والفداء، ومترسّماً نهج الأُلى في جعل كلمة الله هي العليا».
حمى الله الوطن