عروبة الإخباري –
تمثل “خلطة فلك” للدكتورة، فلك مصطفى الرافعي، نسيجًا أدبيًا وفكريًا راقيًا، تتداخل فيه الروحانيات الرمضانية مع عمق النقد الاجتماعي والسياسي. فهي تطرح فكرة الصوم عن الكلام لا كامتناع سلبي، بل كوسيلة للمقاومة والتأمل العميق، مستلهمةً من تجربة السيدة مريم عليها السلام، التي انتصرت بصمتها وإشارتها على ألسنة الافتراء والبهتان.
مما لا شك فيه بإن هذا الطرح يعكس رؤية ثاقبة لعالم يعج بالصخب والجدل العقيم، حيث يصبح الصمت أحيانًا أكثر وقعًا من الخطابات الرنانة، فالكلمات، إن لم تكن في موضعها، قد تزيد الانقسام وتكرّس الفوضى، بينما الصمت المدروس قد يكون أبلغ رد وأقوى موقف. وهنا، تقودنا الكاتبة بذكاء إلى المقارنة بين صيام الجسد عن الطعام وصيام اللسان عن اللغو، وكأنها تدعونا إلى إعادة النظر في أدوات التعبير وأساليب المقاومة السلمية، علّنا نحقق بذلك انتصارًا لا يقل شأنًا عن الانتصارات التي خلدها التاريخ.
وبأسلوبها الأدبي المتقن، لم تكتفِ الدكتورة فلك بالطرح الفلسفي، بل انخرطت في تحليل الواقع السياسي والاجتماعي، حيث رمزية الفراعنة والبحر المنشق والسماء المفتوحة للدعاء توحي برغبة جامحة في الخلاص، ولكن عبر سلاح الإرادة الواعية لا الفوضى العمياء.
“خلطة فلك” هي دعوة للتأمل والتدبر، وسؤال مفتوح حول جدوى الخطاب في زمن تضيع فيه الحقائق بين ضجيج الأصوات المتصارعة. فهل نمتلك الجرأة لتجربة الصمت كقوة تغيير؟