عروبة الإخباري –
تأمّل ملامح تلك السيدة، عادية كأي أم عربية، هي بالفعل كانت أمًا لطفلين، واسمها ‘‘خلود السعيدني‘‘..خلود كانت من سكّان مخيم البريج وسط قطاع غزة، وكانت حياتها تسير بشكل عادي، لولا إصابتها بالسرطان..مستشفيات القطاع لم تكن مؤهلة للتعامل مع حالتها المتقدّمة، وبالتالي الحل الوحيد كان سفرها لأحد مستشفيات القدس..لكن قطاع غزة محاصر، ولا بد من المرور على المعابر الإسرائيلية وكان نصيبها هو ‘‘معبر بيت حانون‘‘
خلود ذهبت مع أمها السيدة ‘‘ سلوى‘‘..طلبت إذن بالمرور والعلاج..ما الذي تفعله أكبر ديمقراطية في الشرق الأوسط..إسرائيل بالطبع..وقف ظابط الشاباك ومال برأسه عليها وأخبرها أن نجاتها في أمر واحد فقط..أن تجيب على بعض الأسئلة الخاصة بمن يعتقد الإسرائيليون أنهم ينتمون للمقاومة..رفضت خلود الإجابة..ليس لأنها تمتلك معلومة وتخفيها..أبدًا..لأنها لا تعلم شيئًا من الأساس..بقلب الأم وقفت السيد سلوى تطلب السماح لابنتها بالعلاج..لكن الإسرائيليون رفضوا..قدّمت تقييمًا طبيًا لحالتها المتدهورة..رد ظابط الشاباك..حسنًا ‘‘فتاة فلسطينية ميتة..خبر جيد يمنحني ترقية‘‘.
رفضت خلود التجنيد في الشاباك..رفضت ابتزازها بمرضها..وبعد 3 أسابيع..سوف تنتقل إلى ذمّة الله..هل تعلم يا عزيزي..أن 40% من مصابي السرطان في غزة قبل السابع من أكتوبر لم يكن باستطاعتهم حتى إيجاد سرير في مشفى في قطاع غزّة؟..هل تعلم أن إسرائيل كانت تمنع إدخال المعدات الطبية اللازمة لعلاجهم حتى يكونوا مضطرين للذهاب للمعابر ومن ثم تعمل على تجنيدهم؟..هل تتخيّل الجنة التي أفسدتها حماس؟..يا رجل..من أين أتيت بتلك القصة؟..يستحيل أن تفعل إسرائيل ذلك..حماس هي من دمرت الرخاء الفلسطيني..من مصدر غربي بالتأكيد وهو وثائقي ‘‘العمل مع العدو‘‘ إنتاج BBC.
حماس تستحق العقاب إذن..هي وسكان قطاع غزة..لكن أكيد في الضفة الغربية حيث السلطة المتعاونة مع الاحتلال..أكيد كان الفلسطيني يحصل على امتيازات طبية..فلتسمع إذن قصة أخرى من كتاب الصحافي الاستقصائي الاسترالي ‘‘ جون بيلجر‘‘..وهو كتاب ‘‘الحرية في المرة القادمة‘‘..‘‘ناصر‘‘ شاب قضى في سجون الاحتلال عامين، ثم خرج وكانت أقصى أمنياته أن يُرزق بطفل من زوجته ‘‘فاطمة‘‘..محاولة تلو الأخرى، والأمر غير مُجدي، فجربّوا تقنيات التلقيح، وبالفعل حملت فاطمة..يوم السعد يا ناصر..تسعة أشهر وجاءت لحظة الطلق..خرج ناصر مسرعًا بزوجته في سيارة يمتلكها صديقه، للذهاب للمستشفى..وإذ فجأة يستوقفهم الجنود الإسرائيليون.
رفض الجنود عبور فاطمة لوضع وليدها وأمروا ناصر بالعودة..يبكي ناصر طالبًا الرحمة لزوجته، فأتاه الرد من الجندي الإسرائيلي بالضحك والسخرية وتقليد آلام الوضع التي كانت تعانيها زوجته..تراجع ناصر ثم عاود المحاولة..وأتاه الرفض من جديد..في النهاية وضعت فاطمة وليدها في السيارة وانقطع الحبل السري..الحمد لله أنجبت أخيرًا بالعند في جنود الاحتلال..لا والله..رفضوا حتى رجوعهم لمنزلهم..ومات الطفل متجمدًا من البرد..مستشفى ‘‘هداسا‘‘..كانت على بعد كيلو ونصف فقط حيث مات ‘‘سلطان‘‘..رفض ناصر أن يموت ابنه دون اسم..فسماه سلطان..يحكي بيلجر أنه في هذا الشهر توفي 29 فلسطيني لأن إسرائيل منعت وصول سيارات الإسعاف لنجدتهم..لم تكن هناك حماس..ولم يكن ثمة طوفان الأقصى !
يُحكى أنه في العام 1982 قصفت إسرائيل مخيم ‘‘برج البراجنة‘‘ في بيروت ما أدّى لمقتل 120 مدني فلسطيني ولبناني..فتوجّه الصحافيون بسؤال لمناحم بيجن عن الهمجية الإسرائيلية فأجاب..كما يورد الصحافي البريطاني ‘‘باتريك سيل‘‘في كتابه ‘‘الأسد: الصراع على الشرق الأوسط‘‘..‘‘منذ متى أصبح سكان لبنان جميلين فجأة؟..ألم يقدموا المأوى للإرهابيين؟..ألم تطرد إسرائيل مليونًا ونصف المليون مصري من ضفة قناة السويس أثناء حرب الاستنزاف مع مصر؟..إنني لا أشك لحظة واحدة في أن المدنيين يستحقون العقاب‘‘.
ليست فلسطين..وليست حماس..بل لبنان قبل خمس سنوات كاملة من تأسيس حماس..كانت إسرائيل تدافع على لسان رئيس وزرائها عن قتل المدنيين..بعد شهور قليلة سوف تذبح إسرائيل بالتعاون مع إيلي حبيقة ومارون مشعلاني..3 آلاف فلسطيني في صابرا وشاتيلا..في ليلة واحدة..قتلوا جميعهم قبل 43 عامًا من طوفان الأقصى..هل تعلم أنه في العام 2022، العام السابق على طوفان الأقصى، قتلت إسرائيل 230 فلسطيني بإعدامات مباشرة في الضفة؟..الضفة حيث سلطة التطبيع التابعة لأبو مازن؟..9335 فلسطينيا أصيبوا في مواجهات مباشرة مع الاحتلال..6500 حالة اعتقال..صادرت إسرائيل 10 آلاف دون..وأنشأت 13 ألف وحدة استيطانية..هذه كانت ومضات فقط من حياة الفلسطيني قبل 7 أكتوبر.
ثم يأتي أحدهم لينعي ‘‘ الجنّة‘‘ التي خربتها حماس عندما اختارت طريق المقاومة..فلتخبر إذن خلود السعيدني عن الجنة..فلتسأل ناصر عبد ربه عن طفله الميت في الجليد..فلتقف أمام أرواح لأفو الفلسطينيين المبقورة بطونهم في صابرا وشاتيلا..فلتسألهم جميعًا..كيف كانت جّنتهم الإسرائيلية التي أفسدتها حماس..كل ما فعلته المقاومة أنها رفضت لمرة أولى وكبيرة مكثّفة الذل اليومي المقطّر الذي يعيشه أبناء شعبها..لأول مرة اختارت ردّ المظالم بالطريقة التي تؤلم العدو كما تألمت ألف خلود وألف ناصر..للمرة الأولى وضعت العالم أمام زيفه وخداعه..الفلسطيني يموت كل دقيقة ألف مرة..فليكن لموته ثمن..علكم تشعرون بمأساتنا.
هذه جنة الإسرائيلي التي دمرتها حماس..هل توّد أن تحيا في واحدة مثلها في وطنك؟…هل تود أن تفقد طفلك على المعابر؟..هل تود أن تموت ابنتك بالسرطان وهي تتعرض للابتزاز؟..هل هذه الجنة التي تطأطيء الرأس من أجلها وتقبل الفتات؟…وهل بعد كل ذلك..لن ترفع سلاحك..وتقول..إما الكرامة أو دونها الحياة؟..هذا ما فعلته المقاومة..كرامة الفلسطيني أو أن يدفع العالم أثمان إهدارها..موتًا وأسرًا