عروبة الإخباري – كتب : اشرف محمد حسن
كما اعتاد العالم من المفاجئات التي تحدثها الولايات المتحدة الامريكية للمجتمع الدولي فقد قام الرئيس الأميركي دونالد ترمب باتحافنا بقراره الجديد حيث وقع مرسوما بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية بسبب ما اعتبره اضطهادا للولايات المتحدة وحليفها الكيان الصهيوني واهم ما جاء فيه أن المحكمة انخرطت في “أعمال غير مشروعة ولا أساس لها” تستهدف الولايات المتحدة وحليفها الوثيق الكيان الصهيوني، و”ادّعت من دون أساس اختصاصها على أفراد من الولايات المتحدة وبعض حلفائها، بما في ذلك الكيان الصهيوني حسب قوله .
من جانبها تعهدت المحكمة الجنائية بالوقوف بحزم مع موظفيها، ودعت “الدول الأعضاء والمجتمع المدني وجميع دول العالم إلى الوقوف متحدين من أجل العدالة وحقوق الإنسان الأساسية وقد اتخذت المحكمة إجراءات استباقية لحماية موظفيها من العقوبات الأميركية المحتملة، إذ دفعت رواتب 3 أشهر مقدما، واستعدت لقيود مالية قد تعرقل عملها وفي ديسمبر/كانون الأول 2023 حذرت رئيسة المحكمة القاضية توموكو أكاني من أن العقوبات الأميركية قد “تقوّض عمليات المحكمة في جميع القضايا وتعرّض وجودها ذاته للخطر” .
وقد ندّدت رئيسة المحكمة توموكو أكاني بالعقوبات ورأت فيها “هجوما خطرا” على النظام العالمي. وقالت أكاني، في بيان، إن الإجراء الذي اتّخذه ترامب “هو الأحدث في إطار سلسلة غير مسبوقة ومتصاعدة من الهجمات التي تهدف إلى تقويض قدرة المحكمة على تحقيق العدالة في كل الحالات” وأضافت أنّ “مثل هكذا تهديدات وتدابير قسرية” تشكل “هجمات خطرة على الدول الأطراف في المحكمة، وعلى النظام العالمي القائم على سيادة القانون، وعلى ملايين الضحايا”. وتابعت “نرفض بشدّة أيّ محاولة للتأثير على استقلالية المحكمة ونزاهتها أو تسييس وظيفتنا القضائية” مؤكدة أنّ المحكمة “لا غنى عنها” في ضوء الفظائع التي تحدث في جميع أنحاء العالم ومن ناحية أخرى فقد أكد رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، أن فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية يهدد استقلاليتها ويقوض نظام العدالة الدولية وحذر رئيس المجلس الأوروبي، من أن فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية “يشكل تهديدا للنظام القضائي الأوسع، بعد أن عاقب الرئيس الأميركي دونالد ترمب المحكمة بسبب تحقيقاتها في أمريكا والكيان الصهيوني” وكتب كوستا، الذي يرأس الهيئة التي تمثل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، على موقع “إكس”: “إن فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية يهدد استقلال المحكمة ويقوض نظام العدالة الجنائية الدولية ككل” .
هذه ليست المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، ففي عام 2020 خلال إدارة ترامب الأولى فرضت واشنطن عقوبات على المدعية العامة آنذاك فاتو بنسودا وأحد كبار مساعديها، وذلك بسبب تحقيقات المحكمة في جرائم حرب ارتكبتها القوات الأميركية بأفغانستان وتأُسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002 بموجب نظام روما الأساسي الذي صدر عام عام 1998 كهيئة مستقلة عن الأمم المتحدة وقد تم التفاوض على هذه المعاهدة في إطار الأمم المتحدة والهدف منها محاكمة المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجريمة شن عمل عدائي؛ وعملها يكون عندما تكون الدول الأعضاء غير راغبة أو غير قادرة على القيام بذلك بنفسها يمكنها نظر القضايا المتعلقة بجرائم يرتكبها مواطنو الدول الأعضاء أو على أراضي الدول الأعضاء من قبل أطراف أخرى، وخلال صياغة نظام روما الأساسي طالبت الولايات المتحدة أن يكون عمل المحكمة خاضعا لسلطة مجلس الامن الدولي والذي تمتلك فيه حق النقض (الفيتو) غير أن مؤتمر روما رفض ذلك وقرر إنشاء مؤسسة المدعي العام المستقلة، ومنح مجلس الأمن الدولي فقط حق إحالة قضايا للمحكمة خلال 12 شهرا إذا رأى في ذلك مصلحة للسلام والأمن الدوليين وقد بادر الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الى التوقيع على نظام روما لكن يوم 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2000، غير أن خلفه الرئيس جورج دبليو بوش ألغى ذلك التوقيع في مايو/أيار من عام 2001، بهدف ارسال قوات أمريكية الى البلقان وأفغانستان وتمهيداً لغزو العراق واحتلاله عام 2003 ودشن حملة عالمية آنذاك ضد المحكمة، انتهت إلى الفشل، ويبلغ عدد الدول الأعضاء 125 دولة. وتبلغ ميزانية المحكمة لعام 2025 نحو 195 مليون يورو (202 مليون دولار) .
ومن جهة أخرى نددت مجموعة دول بلغ عددها ال79 دولة والتي تشكل حوالي ثلثي أعضاء المحكمة، في بيان مشترك أعدّ بمبادرة من سلوفينيا ولوكسمبورغ والمكسيك وسيراليون وفانواتو، ووقّعت عليه خصوصا بريطانيا وفرنسا وألمانيا وجنوب أفريقيا والسلطة الفلسطينية وكندا وتشيلي وبنما، إنّه “باعتبارنا من المؤيدين الأقوياء للمحكمة الجنائية الدولية، فإنّنا نأسف لأيّ محاولة لتقويض استقلال المحكمة” وأشار البيان إلى أن هذه العقوبات من شأنها أن تقوّض بشدة جميع المواقف التي تخضع للتحقيق حاليا، لأن المحكمة قد تضطر إلى إغلاق مكاتبها الميدانية .
وفي ردود الفعل الدولية، قال رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا إن هذا القرار يهدد استقلال المحكمة الدولية، ويقوض نظام العدالة الجنائية الدولية ككل وفي بريطانيا، قالت رئاسة الوزراء على لسان المتحدث باسمها إن بريطانيا تدعم استقلالية المحكمة الجنائية الدولية، ولا تعتزم فرض عقوبات على مسؤوليها كما أعلنت ألمانيا أنها ستواصل دعمها للمحكمة الجنائية الدولية، وقال المستشار الألماني أولاف شولتس إن العقوبات التي فرضها ترامب تهدد المؤسسة التي من المفترض أن تضمن عدم قدرة المستبدين في هذا العالم على اضطهاد الشعوب وبدء الحروب أما فرنسا، فأكدت على لسان خارجيتها دعمها للمحكمة الجنائية الدولية؛ وقالت، في بيان، إن باريس ستعمل مع شركائها على ضمان استمرار عمل المحكمة الجنائية الدولية باستقلالية وحياد كما صدرت مواقف مماثلة ومنددة بقرار ترامب من كل من الأمم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش والمفوضية الأوروبية وهولندا وغيرها من دول العالم .
وباختصار تقوم كافة المعاهدات التي تقوم بها الولايات المتحدة والتي تتحكم الصهيونية العالمية في قراراتها على ما تحقق به المكاسب المادية السريعة فهي قد تنصلت مؤخراً من التزاماتها تجاه منظمة الصحة العالمية كانت الولايات المتحدة ملزمة بالحفاظ على التزاماتها بموجب الاتفاقية إلى أن يدخل الانسحاب حيز التنفيذ، مثل مطلب مواصلة الإبلاغ عن انبعاثاتها إلى الأمم المتحدة. دخل الانسحاب حيز التنفيذ في 4 نوفمبر 2020، بعد يوم واحد من الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 م والان تريد فرض رسوم جمركية على البضائع الأوروبية والكندية وهذا مناقض تماماً لاتفاقية التجارة الحرة والتي سعت دائماً لفرضها في شتى انحاء العالم عندما كانت تحقق لاصحاب الأموال المكاسب فليس بالامر الغريب ان تقوم الولايات المتحدة بحماية المجرمين بكافة الوسائل كاصدار قرار فرض العقوبات ضد المحكمة الجنائية الدولية بل قد تصل الى الجمعية العمومية للأمم المتحدة بل والمنظام الدولي بشكل عام طالما كانوا يحققون لهم المكاسب وهذا ليس نهج ترامب فقط وانما هو النهج الذي انشأته الصهيونية العالمية لامريكا وكنت قد كتبت سابقاً من اكثر من عام وفي مقال بعنوان (مرياع القرن) ان الولايات المتحدة قد تم انشائها برؤوس الاموال الصهيونية كشركة وسوق استثماري وقوة ترهب العالم كفزاعة لتستطيع ابتزاز كافة الدول لما يحقق مكاسبهم المادية فقط وهذا ما يؤكد انهم.. من لا امان.. ولا عهد لهم..