عروبة الإخباري –
مما لاشك فيه أن التعليم في أي دولة يُعتبر العمود الفقري لنموها وتطورها، وهو السبيل الأهم لبناء أجيال قادرة على مواجهة التحديات والتطلع إلى مستقبل مشرق. في لبنان، يلعب التعليم دورًا محوريًا في تشكيل الهوية الوطنية، إلا أنه يعاني من مشكلات متراكمة أبرزها الطائفية التي تسللت إلى مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك المؤسسات التعليمية. لذلك، فإن تطوير التعليم ليكون بعيدًا عن الطائفية مع ترسيخ حب الوطن والولاء له يُعد ضرورة قصوى لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
التعليم والطائفية: مشكلة متجذرة
من أبرز التحديات التي يواجهها التعليم في لبنان هو انقسامه وفقًا للانتماءات الطائفية، حيث تتوزع المدارس والجامعات وفق خطوط دينية ومذهبية، مما يُضعف روح الانتماء الوطني ويؤدي إلى تعزيز التفرقة بدلًا من الوحدة. ينشأ الطلاب في بيئات معزولة عن الآخر، مما يؤثر سلبًا على مفهوم التعايش المشترك، ويكرس النظرة الضيقة التي تقوم على الانتماء الطائفي بدلاً من الانتماء للوطن.
أهمية تطوير التعليم بعيدًا عن الطائفية
يعد إصلاح النظام التعليمي في لبنان خطوة أساسية للتخلص من الإرث الطائفي وبناء دولة حديثة تعتمد على الكفاءة والعدالة الاجتماعية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
إقرار مناهج وطنية موحدة: يجب العمل على تحديث المناهج التعليمية بحيث تركز على القيم الوطنية المشتركة، وتعزز ثقافة المواطنة والتعايش بين جميع اللبنانيين بعيدًا عن أي انتماءات طائفية أو مذهبية.
تعزيز التعليم المدني: إدراج مواد تُعنى بالمواطنة، وحقوق الإنسان، والتاريخ المشترك للبنان، مما يساعد الطلاب على إدراك أهمية الوحدة الوطنية والتنوع كعامل قوة لا ضعف.
إصلاح النظام التعليمي: تحسين جودة التعليم من خلال تدريب المعلمين على نبذ الخطاب الطائفي، واعتماد طرق تدريس حديثة تركز على التفكير النقدي والانفتاح على الآخر.
تعزيز الاختلاط في المدارس والجامعات: تشجيع سياسات تعليمية تدمج الطلاب من مختلف الطوائف، مما يسهم في إزالة الحواجز النفسية والاجتماعية، ويعزز مفهوم الهوية الوطنية الجامعة.
دعم التعليم الرسمي: يعد التعليم الرسمي ركيزة أساسية للتغيير، لذا يجب تحسينه وجعله جاذبًا للطلاب من جميع الفئات، بحيث يكون بديلاً قويًا عن المدارس الخاصة التي تعزز الانقسامات الطائفية.
ترسيخ حب الوطن والولاء له
إلى جانب الابتعاد عن الطائفية، لا بد من غرس قيم حب الوطن والولاء له في نفوس الأجيال الصاعدة. ويمكن تحقيق ذلك عبر:
الأنشطة اللامنهجية: تشجيع الرحلات التثقيفية إلى المناطق التاريخية والوطنية لتعزيز ارتباط الطلاب ببلدهم.
دعم المبادرات الشبابية: تحفيز الشباب على الانخراط في المشاريع الوطنية والمجتمعية، مما يعزز لديهم الشعور بالمسؤولية تجاه وطنهم.
الاحتفاء بالإنجازات الوطنية: تسليط الضوء على الشخصيات اللبنانية الناجحة بغض النظر عن انتماءاتها، لتقديم قدوة وطنية للأجيال القادمة.
نحو جيل أفضل من سابقيه
إن تطوير التعليم في لبنان ليكون خاليًا من الطائفية، مع التركيز على بناء وعي وطني حقيقي، هو السبيل الوحيد لضمان نشوء جيل أفضل من سابقيه. جيل يحمل في قلبه حب الوطن قبل أي انتماء آخر، ويسعى إلى بناء لبنان الجديد القائم على العدالة والمساواة.
لبنان لا يمكن أن ينهض إلا بسواعد أبنائه المخلصين، والتعليم هو المفتاح الأساسي لتحقيق هذا النهوض. فهل سنشهد قريبًا تحولًا حقيقيًا في النظام التعليمي اللبناني، يضع الوطن فوق كل اعتبار؟