في الذهن تجارب عديدة، لكن صونا لحرمات ما يعرف بحكم المهنة أو الوظيفة، من الواجب الإحجام عن الخوض في التفاصيل ما لم تحد من دلالات الأمثلة الرسالة المراد توجيهها من على هذا المنبر الكريم، الدستور الغراء.
لا خلاف على حقيقة أن العدالة والحصافة تتطلب من المدير أو رب العمل مراعاة تنوع خلفيات موارده البشرية تماما كما هو الحال بالنسبة للموارد الطبيعية في أي استثمار يسعى إلى النجاح وبالتالي الربح المستدام لا القائم على طفرة أو ما هو أسوء منها، الفقاعة! جميل أن تقرأ في وجوه العاملين جميع ملامح الوطن بكل ثرائه التعددي لكن ليس على حساب التضحية بالنوعية وتخفيض مطالب المهنة وأمانة الواجب حتى تكون في متناول من يراد إضافتهم إلى الصورة، خاصة أولئك الذين يتم تصعيدهم إلى الصفوف الأمامية منها لغايات تسجيل نقاط يطرب لها من يظنون أنفسهم قائمين على تصنيف المؤسسات والدول هذه بنجمة وتلك بخمس أو سبع نجوم!
كما في رمزية العدالة معصوبة العينين الممسكة بيد بميزان ذي كفتين وبيد أخرى سيف القانون، تتطلب بعض التعيينات أن ترى المهنية وحدها وتنحي جانبا مقاييس الألوان والأطياف. بعض المهام الحساسة تتطلب أعلى درجات الكفاءة والتميّز عند اختيار فريق العمل، وهذا ليس مقصورا على القيادات العليا التي يستوجب البت في أمرها الاستئناس بتوصيات مرجعيات عليا لتجنيدها -توظيفها- في مرحلة ما، أو أجندة معينة لها برنامج محدد.
خبرٌ قد يكون محليا لا يعني إلا الواشنطونيون أو الأمريكيون أو زوار أمريكا الشمالية أو تحديدا مستخدمي مطار ريغان الدولي في مقاطعة آرلِنغتُن بضواحي العاصمة واشنطن دي سي، لكنه صارا خبرا سياسيا عالميا بعد مهاجمة دونالد ترامب الرئيس القديم-الجديد أو المتجدد لإدارتيْ سلفيه باراك حسين أوباما وجو بايدن بسبب الكارثية التي أحدثتها سياسات ما بدأ بشعارات التنوع والعدالة وانتهى بحرف فيه عمل ما فعلت بظهر البعير! «دي إي آي إيه» اختصارا لتعويذة اليسار تعني على التوالي التنوع (دايفيرسيتي)، العدالة وليس المساواة (إكوِتي)، واحتواء أو ضم الكل (إنكلوجِن)، وأخيرا وهذه الطامة الكبرى، إتاحة الحق بالوصول (آكسِسِبِلِتي).
نفهم جيدا أن تتاح مثلا المسطحات والمصاعد إلى جانب الأدراج لضمان حق الجميع بالوصول إلى مكاتبهم أو أماكن عملهم في وزارة أو شركة أو مصنع، لكن من الجنون الهوس بتلك المعايير إلى حد التضحية بنوعية وعدد العاملين في أبراج المراقبة في مطارات تشهد عملية إقلاع وهبوط كل ثلاثين ثانية!
لذلك نذكر بعرفان رئيسي حكومتين في تاريخ الأردن الحبيب وبكل امتنان. المثال الأول هو أول رئيس وزراء في العهد العبدليّ الميمون، دولة عبدالرؤوف الروابدة وتحذيره من «القياداة المترددة» و»الإعلام المرعوب» واعتباره أزمات الأردن «إدارية لا سياسية». أما المثال الثاني فهو الرئيس الأسبق الشهيد وصفي التل الذي كان يصف بعض الأخطاء أو الطروحات المسيئة للوطن بأنها «خيانة» وليس مجرد إهمال قاتل بلغة المحاسبة الإدارية والقضائية.
حمى الله مطاراتنا ومنشآتنا الحيوية وكل ما يتصل بأمن الناس وأمانهم وصحتهم وأرزاقهم. اللهم محبة، حكمة، وقوة تجعل كل راع أمينا على رعيته، يحسن اختيار من يقوم على خدمتهم دونما التفات لشعارات فارغة مشبوهة خبيثة. اللهم ثورة إدارية بيضاء في العالم كله، فقد أحدثت عقود من العولمة الكثير من الدمار. لا نخشى من الضباع بقدر ما يستفز صبرنا على الأذى من يعملون عمل «السّوس» الذي ينخر ويخرّب الأساسات عبر «الوسوسة» وتلك لها أبواقها التي من السهل كشف أجندتها سواء أكان لسان حال أدواتها، نعيقا أم فحيحا. صاحب الحق -إداريا كان أم سياسيا- صوته جهوري بالمنطق وبالحق، وقد آن الأوان أن يقال للأعور «أعور بعينه» لا كما هو حال تلك النكتة الرائجة عن «الأعور على كيفه»!! في الأزمنة الحرجة الصراحة مطلوبة وإن كانت جارحة.. مع مراعاة الأصول طبعا دائما وأبدا.