عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب –
لكل امرئ من اسمه نصيب…
لا اصدق انه رحل، فامتداد عمره الطويل الى الكثير من النشاطات والأعمال المنجزة، جعلته حاضراً، فقد كان للرجل بصمات واضحة في مجال الإدارة تحديداً، من خلال المناصب التي تولاها والمؤسسات التي أدارها وما أضافه لها خاصة في إطار النظريات التي لم يكن مولعا بها …. بما يتجانس مع مصالح الأردنيين وادراكهم والاستجابة لمطالبهم.
لقد ترك في التعليم بصمات واضحة وخاصة نموذجه في الجامعة الأردنية التي نجح في إدارتها وتمكينها أن تاخذ مكانتها المميزة على المستوى الوطني والإقليمي، رغم أن البعض .. بداية قدومه لاستلام موقعه في رئاسة الجامعة لم يكن متفائلاً به باعتباره يأتي بعقلية عسكرية لا تومن بالحوار ولا تراه سبيلها … ولكن المجالي كان عكس ذلك، وظل يؤمن بتحديد الهدف واحسان اختيار الوسيلة للوصول اليه والاستمرار في سياسات التراكم ودون استعجال أو ملل، فقد عرف عنه قوله الشهير، “من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه”.
صلتي والكثيرون به منذ كنا طلابا في الجامعة، 69/73 فقد كان يسعى لمعرفة الجميع والإجابة على اسئلة الجميع، والعمل على حل المشاكل، ولنا في ذلك قصص قد لا يكون المجال متسعاً لذكرها، فقد كنا قدنا مع بداية تسلمه للموقع احتجاجاًت على التوجهات الجديدة في الجامعة ومحاولة استيفاء رسوم من الطلاب، إذ كنا ندرس مجاناً، وحين خرجنا في مسيرة باتجاه الرئاسة ضمت مجموعة منا،استقبلنا على درج مبنى رئاسة الجامعة القديم، وانتظر حتى اقتربنا وكنا نرفع يافطات تطالب بعدم دفع أيّ رسوم، وقد وصلنا أسفل الدرجات، وكان الدكتور المجالي في أعلى الدرج، فخلع نظارة شمسية، ونظر وقال، انت وأنت وانت، واعد خمسة أشخاص، وقال تعالوا تحدثوا باسم زملائكم، وحين لم انتبه، قال أنت .. يافصيح، وهي الكلمة التي ظل يستعملها في المخاطبة تحبباً، فدخلنا الى مكتبه خائفين، وقال يمكن للذين يريدون أن يحصلوا على مساعدات من شؤون الطلبة أن يتقدموا باسمائهم والذين يرغبون أن يتوفر لهم عمل في الجامعة أن يتقدموا، ايضا وبدأ بي سائلا واخترت العمل في المكتبة، كما اختار زملاء لي اخرين في العمل في الحديقة العامة وفي الساحة وفي المطعم، وهكذا حصلنا على عمل بالساعات، وانفضت المسيرة وتوجه البعض لتقديم طلبات قروض ميسرة من عمادة شؤون الطلبة.
كان عبد السلام المجالي، عملياً لا يغادر قضية كبيرة أو صغيرة الاّ بحلّها، أو الشروع في حلّها، سواء كانت قضية كبيرة أو صغيرة، وهو لا يعد ويخلف، بل إن وعد نفذ يمضي عامان على رحيله وما زال بيننا، بأعماله وذكره وسمعته وما كتبه في مذكراته وحياته العصامية التي شقها بصعوبة
كان رئيساً لجمعية الشؤون الدولية التي صنع من خلالها ميراثا وطنيا نعتز به في الحوار واثارة القضايا العامة ، وظل يشرف بنفسه ويشارك في كل الحوارت ولا يرى تعطيلها حتى عندما كان رئيساً للوزراء، أكثر من مرة ظل حريصاُ أن تظل الاجتماعات الأسبوعية لصالون جميعة الشؤون الدولية، واختار أن يعقده في منزله ويحضره، وكانت ضيافة ام سامر الأسبوعية بحلويات من صناعة بيتية وكان الحوار يشكل له فائدة في أن يسمع الى ردود الفعل على نهج حكومته ..
كان لي شرف مرافقة الوفد الذي قاده عبد السلام المجالي الى مدريد علم 1990، من أجل عملية سلام صعبة، وقد قال يوم صعوده الطائرة الى مدريد، إن جلالة الملك قال له، أرسل حكيماً ولا توصه ، وبالفعل استطاع المجالي أن يقود الوفد الأردني والفلسطيني في مدريد، وبعد ذلك في واشنطن، فيما اسمى بمحادث الكرادور ، وان ينجح في بلورة موقف خاص بفلسطين، وظل قريباً لذلك من القيادة الفلسطينية التي ذكرت وما زالت تذكر له فضلاً كثيراً في أشد اللحظات صعوبة، وهو لم ينقطع عن إسداء النصح لها، سواء من الرئيس عرفات والرئيس أبو مازن والى أن رحل.
كان متفائلاً بطبعه حتى في أشد اللحظات قسوة وعدواناً من جانب اسرائيل التي هدمت كل شيء وانتهكت معاهدة السلام الأردنية ودمرت اتفاقيات أوسلو، فقد كان يرى في المعاهدة مكسباً كما كان يرى في اتفاق أوسلو إيجابيات.
ومن الغرائب التي كنا نسمعها عشية توقيع اتفاق أوسلو قول أبو مازن، إما أن يأخذنا اتفاق اوسلو الى دولة، أو يأخذنا الى الجحيم؟؟!!
أما عبد السلام المجالي، فقد كان تفاؤله في قوله بعد معاهدة السلام الأردنية، الاسرائيلية، “لقد. دفنا الوطن البديل، وطحنا عظامه” فهل صحيح أننا دفنا الوطن البديل وهل تمكنا من طحن عظامه؟ ام أننا نعيش تجربة ضرب الغول، التي يقال أن الغول لا بد أن يضرب مرتين، لأنه يبقى حياً بعد الضربة الأولى، وهل فعلاً ما زلنا حائرين في تحديد الجهة التي أخذنا اليها اتفاق أوسلو بالمفهوم الاسرائيلي وليس بمفهوم السلام الذي توهمنا به. رحمك الله ياعبد السلام المجالي فقد. كان حبك لوطنك له أسلوب مميز.