عروبة الإخباري – طلال السّكر
عندما نتحدث عن “تلفزيون لبنان”، نحن لا نسترجع فقط تاريخ مؤسسة إعلامية، بل نبحر في ذاكرة وطن عاش عبر شاشتها أجيالٌ من الفرح، الدراما، والثقافة.
هذا الصرح الإعلامي، الذي كان السبّاق في صياغة وجدان عربي مشترك، يختزل بين طياته حكاية لبنان بماضيه العريق وتطلعاته نحو المستقبل. هو أكثر من مجرد شاشة، بل هو نبض مجتمع ومرآة لروح أمة، يروي قصصًا لن تنطفئ مع مرور الزمن.
تلفزيون لبنان: ذاكرة وطن وإرث إعلامي عريق
لا يمكن الحديث عن الإعلام اللبناني دون التوقف عند محطة “تلفزيون لبنان”، هذه المؤسسة العريقة التي شكّلت جسرًا بين الماضي والحاضر في المشهد الإعلامي اللبناني والعربي.
وفي قلب هذا الصرح الإعلامي، ممن يجسدون وجهًا مشرقًا للمهنية والاحترافية، خصوصا الرعيل الاول مثل صونيا بيروتي مهى سلمى عادل مالك جان خوري، وسعاد قاروط العشي وجاندارك فياض وعرفات حجازي وجاك واكيم والكثيرين.
ذكريات الزمن الجميل
يعود بي شريط الذكريات إلى سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، حين كانت شاشة “تلفزيون لبنان والمشرق” تجمع العائلة حول برامجها المتنوعة، وأبرزها “المصارعة الحرة” التي كنّا ننتظرها كل سبت عند الساعة الثامنة مساءً، سيما في فصل الصيف، تلك الأوقات كانت تشهد محاولات مضنية لإعادة ضبط الأنتين قبل عصر الساتلايت، ما أضفى بعدًا آخر للارتباط العاطفي بهذه الشاشة التي جمعت اللبنانيين والعرب على بساطتها وجودتها.
منبر للفن والدراما
ساهم “تلفزيون لبنان” في بناء وجدان عربي مشترك، حيث أطلّ عبر شاشته نجوم كبار مثل “أبو ملحم”، “أبو سليم”، و”شوشو”، وأنتج مسلسلات خالدة كـ”حكمت المحكمة”، “المشوار الطويل”، و”آلو حياتي”، فمثل هذه الأعمال لم تقتصر على الترفيه، بل عكست القيم الأخلاقية والثقافية للمجتمع اللبناني والعربي، مقدمّة نموذجًا رفيعًا للإنتاج التلفزيوني بعيدًا عن الإسفاف والابتذال.
إرثٌ لا يُقدّر بثمن
يعدّ أرشيف “تلفزيون لبنان” كنزًا وطنيًا يضم آلاف الساعات من الأعمال الدرامية والبرامج المتنوعة. وقد حظي هذا الأرشيف باهتمام دولي لحفظه ورقمنته، حيث تم توقيع اتفاقية مع المعهد الوطني للمرئي والمسموع في فرنسا، ما يعكس أهميته الثقافية والتاريخية.
مراحل التأسيس والتطور
مرّ “تلفزيون لبنان” بثلاث مراحل تأسيسية رئيسية:
المرحلة الأولى (1959-1978) انطلقت عبر شركتين خاصتين بالكامل.
المرحلة الثانية (1978) أصبحت الملكية مُشتركة بين القطاعين العام والخاص.
المرحلة الثالثة (1996) تم دمج المحطتين واستحوذت الدولة اللبنانية على كامل الأسهم، ليصبح التلفزيون مملوكًا للدولة.
وتعود جذور هذا الصرح إلى العام 1954، حين تقدّم وسام عز الدين وألكس مفرج بطلب إنشاء شركة بث تلفزيوني. وفي العام 1956، وقّعت الحكومة اللبنانية اتفاقًا أتاح تأسيس “شركة التلفزيون اللبنانية”، لتبدأ رحلة الريادة التي استمرت لعقود.
قيادات صنعوا التاريخ
منذ العام 1978، تعاقب على إدارة “تلفزيون لبنان” شخصيات بارزة مثل شارل رزق، ريمون جبارة، وطلال المقدسي، وغيرهم ممن ساهموا في تعزيز مكانة المؤسسة، وصولًا إلى وزير الإعلام الحالي زياد المكاري.
يظل “تلفزيون لبنان” شاهدًا على مراحل تطور الإعلام اللبناني، وذاكرة وطن تجمع بين الماضي والحاضر.
ومع الجهود المبذولة لحفظ إرثه، يبقى هذا الصرح رمزًا للتميز والإبداع، ونقطة إشعاع ثقافي وحضاري في لبنان والعالم العربي.