تنام منطقتنا على قلق، وتصحو على آخر. حروب وقتل ودمار وأوضاع اقتصادية صعبة وتشاؤم من المستقبل القريب.
حالنا لن يختلف كثيراً عن أحوال أمم أخرى، فدائرة القلق العالمي مرشحة للاتساع في العام الجديد.
سيبلغ القلق ذروته في أوروبا هذه المرة، وقد تشكل القارة العجوز منطلق التغيير العالمي في المرحلة المقبلة.
سعت الإدارة الأميركية الحالية التي تحزم حقائب المغادرة، على مدى أربع سنوات مضت، إلى تعزيز التحالف مع دول أوروبا، فرادى ومجتمعة، وكرست واقع الغرب المتحالف في صور استعمارية جديدة. تعزيز قوة حلف شمال الأطلسي وتوسيع نطاقاته واحدة من تلك الصور.
دبت الإدارة الحالية الرعب في أوصال أوروبا حيال «الغول» الروسي الذي سيلتهمها إن سمحت له بهزيمة أوكرانيا، وتعهدت بـ «مارشال» جديد لقطع الشريان الاقتصادي الروسي الأوروبي. مارشال لم يتحقق، وتبين أن الدعم يقتصر على السلاح لا على الاقتصاد.
التحالف الغربي مرشح أن يتطور إلى تنافس لن تقبل به الإدارة الأميركية الجديدة. بحسب التصريحات وتلميحات الرئيس ترمب العائد إلى البيت الأبيض بعد أيام، فإن أوروبا لا تفي بالتزاماتها تجاه حلف الناتو، وإن الحرب الروسية الأوكرانية يحب أن تتوقف فور تسلمه مقاليد الحكم. حجة دعم أوكرانيا لارتباط المصير لن تعود قائمة. أكثر من ذلك فقد تبين لإيلون ماسك أن الرئيس الأوكراني محترف سلب ونهب.
خسرت أوروبا الكثير جراء موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية.
عانت الدول الأوروبية فرادى ومجتمعة اقتصادياً، وتراجعت هيبتها داخل أوروبا وخارجها.
يعتبر الرئيس ترمب الكثير من الأزمات العالمية، كالحرب الروسية الأوكرانية والعدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية ولبنان، وكذلك دور إيران في المنطقة مسائل ثانوية أمام التحدي العالمي الأكبر الذي تواجهه والولايات المتحدة. . . الصين.
يُفهم من تصريحات الرئيس العائد بقوة شعبية هائلة إلى البيت الأبيض أنه يعتزم تسوية كل النزاعات الحالية ليتفرغ لنزاع جديد.
تحييد روسيا وربما إيران وأفغانستان والهند وتركيا وربما كوريا الشمالية، سيكون أولوية لكبح جماح الصين، اقتصادياً واستراتيجياً.
سيبلغ القلق العالمي ذروته هذا العام، وسنرى مواجهات من نوع جديد، حتى وإن ألمح الرئيس ترمب غير مرة إلى أنه لا يرغب برؤية نزاعات مسلحة حول العالم.
هل ستستفرد الولايات المتحدة بالصين؟ وهل سيضعف المارد الصيني أمام الضغوطات الأميركية، سواء بالحرب الاقتصادية أو المماحكات العسكرية والأمنية في بحر الصين؟
ستكون لهذه المواجهة آثار كبرى على الاقتصاد العالمي، وستكون الدول النامية والفقيرة الأكثر تأثراً بها. ولن تنجو أوروبا من هذه المرحلة، من الناحية الاقتصادية على الأقل.
مرة أخرى، ستكون منطقتنا ضحية للاستقطاب الإقليمي والدولي، وستدفع ثمن هذه الصراعات والتدخلات والضغوط والآثار الاقتصادية والعنيفة، في غياب حد أدنى من تفاهم عربي لا يلوح في الأفق بدليل الموقف من سوريا وقبلها الموقف من العراق، بل ومن فلسطين أيضاً.
لا تبدو الصورة مبشرة مع مطلع العام الجديد، ولن يكون الرهان على موقف عربي، ولو بالحد الأدنى، لمواجهة عالم متغير متقلب، وربما منفلت أيضاً.
هل سنراهن على أوروبا هذه المرة؟ هل توحي صورة وزيري خارجية فرنسا وألمانيا معاً في دمشق بمثل هذا الرهان.
عام القلق والأزمات* فيصل الشبول
3
المقالة السابقة