تنطوي الصهيونية على نزعة العداء “للآخر”، الفلسطيني والعربي، ورفضه
و”حق” استباحة أرضه ومصادرة ممتلكاته وطرده من وطنه، فنصوص التوراة والتلمود وتفسيراتهما “تُشرعن” ذلك، وفتاوى الحاخامات تُجيزها، بل تأمر بفعلها، أما الساسة الصهاينة العلمانيون فوظفوها لخدمة مشروعهم التوسعي، ولم يجدوا مشقة بغرسها في نفوس المستوطنين اليهود المجبولة على العنصرية والعدوانية.
لم تُسهم معاهدتا السلام مع مصر (1979) والأردن (1994) واتفاق “أوسلو” مع السلطة الفلسطينية (1993)، ولا حتى مساعي التطبيع المتواترة، في تبديد نظرة الكيان الصهيوني العدائية السلبية تجاه العرب، ونبذ التعايش معهم، بوصفهم أدنى منه منزلة، وأقل مستوى علمي وتقني وتكنولوجي، ومهما فعلوا فلن يرتقوا إلى “واحته الديمقراطية” و”إرثه الحضاري”، أو هكذا يُروج الساسة الصهاينة لتجميل وجه كيانهم الدموي القبيح.
ترتكز الصهيونية في نظرتها “للآخر” إلى جملة مقولات متطرفة استقتها من الأفكار والنظريات العنصرية التي سادت القرن التاسع عشر، مثل إعلاء شأن ونقاء العرق وعدم المساواة والأخذ بمفهومي “الحاجز اللوني”، الذي وجد صيغته المعدلة بجدار الفصل العنصري، و”التراتب القيمي” بزعامة الحضارة الغربية، ويجد تأصيلاته بالمسار الخطي للتاريخ اليهودي ومشروعها الاستعماري الإحلالي في فلسطين، فنسجت مفاهيم “الاختيار” الإلهي “للشعب اليهودي” بما تحمله من معانٍ عنصرية تستبعد الآخر وترفضه.
أما الزعم “بالدولة الديمقراطية اليهودية” فهي عبارة مؤدلجة تخص المستوطنين اليهود فقط، فالكيان المُحتل يعتبر نفسه “دولة” ديمقراطية لوجود صراع حقيقي فيه على السلطة وهناك “الكنيست” والنظام الانتخابي و”الهستدروت” (اتحاد نقابات العمال) وإعلام ومساءلة، إلا أن معظم ذلك يجري داخل الأيديولوجيا العنصرية العدوانية نفسها، ولا يتجاوزها.
إن نظرة العداء للفلسطينيين والعرب تدرجت زمنياً بشكل متصاعد؛ فقبل عام 1948، ومن بعد مقولة “شعب بلا أرض لأرض بلا شعب” التي اصطدمت بوجود الشعب الفلسطيني في فلسطين وبالمقاومة مما تطلب تغيير الخريطة الإدراكية الصهيونية، فقد روّجت الصهيونية للرواية الزائفة “بفضائل” قيام كيانها في فلسطين، وأناطت بالمستوطنين اليهود مهمة “المُخلص” إزاء “الرجعية” العربية والفلسطينية.
اختزلت الصهيونية بعد ذلك صراعها العربي في قضية لاجئين ليست معنية بها، ومن ثم أدرجت العرب، منذ عام 1967 حتى اليوم، ضمن مرتبة أدنى من المستوطنين اليهود في سلم التطور الإنساني، بزعم عجزهم التقني وعدم قدرتهم على اللحاق بركب الحضارة العالمية، التي تعتبر نفسها بتفوقها العلمي والديمقراطي جزءاً منها.
وتبرز النزعة العدائية، في إحدى مظاهرها، “بالموسوعة اليهودية” التي تشير للعرب ضمن ثلاث مواد فقط، غير مستقلة، أثناء التطرق للجزيرة العربية، فيتم التداخل بين اليهود والعرب وبين التاريخ والأديان والحضارة والصحراء والتجارة والمراحل الزمنية المختلفة حتى يتولد الانطباع بأن الأرض سكنوها معاً، مقابل غياب ما للعرب من آداب وثقافة وفلسفة عربية إسلامية. بينما تتطرق للعصر الحالي بالإشارة إلى جامعة الدول العربية، فتنسب قيامها للتشجيع البريطاني وتزعم بعداء العرب للكيان المُحتل ومناداتهم بالقضاء عليه.
لا تجد مفاهيم السلام والتعايش والتصالح مكاناً في الكيان الصهيوني، فنزعة العداء للعرب والفلسطينيين ستظل قائمة مهما حاول مواراتها خلف ستار الاتفاقيات واللقاءات الهشّة، ولن يتخلى عن مشروعه الاستعماري التوسعي في فلسطين والمنطقة، بوصفه ديدن وجوده ومقوماً لبقائه.