أبت طالبان إلا وأن تتحفنا بجديد عامها الثالث بعد الانسحاب الكارثي من أفغانستان والسماح لها بالعودة إلى حكم كابول بعد عقدين من سفك الدماء وهدر مئات مليارات الدولارات التي كان بإمكانها تأمين أحدث «لابتوبات» آبل أو مايكروسوفت لجميع طلبة العالم، لا العالم الثالث وحده!
شيئان تمثّلا أمامي خلال قراءة ذلك الخبر المضحك المبكي الذي حظر فيه ملالي كابول على المرأة النظر حتى من النوافذ للترويح عن النفس والنظر في آفاق ما هو غير محظور بعد:
الأول هو تراث مصر الغني على اختلاف ما مر عليها من أقوام وحكام. ما زالت «المشربية» من أجمل ما أهدته «أمّ الدنيا» ليس فقط للعالمين الإسلامي والعربي وإنما لكل الشعوب المحافِظة والأمم التي تؤمن بالخصوصية للجميع وليس للنساء فقط. الخصوصية والعفة والطهر من خصال كرام الناس، ولا دخل في الأمر لا في إمارة ولا في تجارة.
أما المثال الثاني فكان سوريّاً. ستيف جوبْز ذلك السوري الأمريكي الذي أهدى بعبقريته العالم كله «آبِل»، التفاحة التي لم تُسقط آدم وحواء من الجنة بل رفعت ذريتهما معا إلى مراتب العلم والمعرفة والآداب، والأخلاق إن تم حسن استخدام بوابات العلم ونوافذه.
لست أدري مدى اتساع اطلاع الملالي أو مدى تواصلهم مع سفراء العالم الخارجي أو من يمثّل حركتهم ونظامهم في العالم. أما كان بإمكانهم إعادة إنتاج «المشربيّة» عوضا عن سد النوافذ؟ أم أنّهم يرون أن ال «وِندوز» العنكبوتي والنوافذ الحديدية، «دونت مكس» كما تحدث ذات يوم رئيس مصر المخلوع الراحل محمد مرسي عن قيادة المركبات والخمور!
كم يحزّ بالنفس استمراء البعض للأمور لدرجة السماح لهذه النماذج بالتفشي عبر استنساخ معدل وراثيا (سياسيا أو إعلاميا). ولا أضيف مراعاة لحرمات البوابات وضوابط النوافذ الدبلوماسية، بصنفيها الخشن والناعم، أو قل «المتوحشّ» وتلك النوعية الملساء التي إن نالت دفء الرعاية وتمكّنت فحكمت، أول ما تلدغ محتضنيها ولن يسلم منها حتى مرسليها..
متى يستفيق ناشرو هذا الاستقواء من غفلتهم؟ هي مسألة وقت في تقديري، فحتى من أبرم الاتفاق مع طالبان وكاد أن يستضيفهم في «كامب ديفيد»، لن يستطيع السكوت عن ممارسات الإرهاب الذين سمته إدارة سابقة «التطرف العنيف» وتدرجت من بعد التسميات من الإرهابيين إلى «الجهاديين» ودخلنا في توزيع التصنيفات ما بين عناصر مقاوِمة وأخرى معارضة مسلحة، حتى صارت إدارة لعمليات عسكرية!!
لم تعد القصة قصة معايير مزدوجة، صارت القضية معايير مشوهة إلى حد المسخ. ومن اكتوى بنار الإرهاب والعنف والتطرف والإقصاء من حقه أن يصرخ بالفم المليان: كفى ضحكا على الذقون.. الوضع صار بده «فَرْمَتِه» بلغة العارفين في شؤون «الهارد والسوفت وير»!!