كتبت الصحفية نانسي اللقيس
لطالما كانت مسألة السيادة في لبنان موضوعًا مثيرًا للجدل، خاصةً في ظل الصراع السياسي الداخلي والتدخلات الخارجية. وفي الآونة الأخيرة، ظهر حزب الله كممثل للمقاومة في لبنان، يرفع شعار “المقاومة” ضد الاحتلال الإسرائيلي، بينما يهاجم بشدة أي شخص أو جهة تدّعي السيادة اللبنانية في وجه ما يسميه “التدخلات الخارجية” التي يقوم بها، متجاهلًا تمامًا أن هذا الحزب نفسه يضع السيادة اللبنانية تحت تأثير إرادات إقليمية ودولية، ويخضع في كثير من الأحيان لقرارات خارجية تتعلق بإيران وسوريا.
من اللافت أن حزب الله الذي يتخذ من “المقاومة” ذريعة لتبرير سلاحه وتدخله في الشؤون اللبنانية، أصبح اليوم أحد الأطراف الرئيسية التي تنتقد بشدة أي حديث عن السيادة اللبنانية. فبينما يتغنى الحزب بشعارات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، يضيق مساحة الحوار حول السيادة، ويهاجم القوى التي تدعو إلى استقلال لبنان عن أي تأثير خارجي. ولكن في الواقع، نجد أن المقاومة التي يتزعمها حزب الله قد أصبحت في كثير من الأحيان سببًا في إضعاف السيادة اللبنانية، من خلال الانغماس في صراعات إقليمية تؤثر سلبًا على استقرار لبنان الداخلي وعلى علاقاته مع العالم العربي والمجتمع الدولي.
الحديث عن السيادة يختلف عندما يتعلق الأمر بالمقاومة. ففي الوقت الذي يُصر فيه حزب الله على أنه حامي السيادة، نجد أن سلاحه يتجاوز الدفاع عن الأراضي اللبنانية ليصبح جزءًا من مشاريع إقليمية في دول أخرى مثل سوريا والعراق، مما يهدد مبدأ السيادة اللبنانية ويجعل من لبنان ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية. بدلاً من أن يكون لبنان سيدًا في قراراته، فإن هذا التدخل المستمر يشكل ضغوطًا على الدولة ويقيد قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة.
من غير المنطقي أن يُهاجم “المقاومون” أولئك الذين يدعون إلى استقلال لبنان وسيادته، في الوقت الذي يسهمون فيه بشكل غير مباشر في تهديد هذه السيادة. فكيف يمكن أن نعتبر لبنان “سيدًا” عندما يتحكم فيه سلاح حزب الله، الذي يتلقى دعمه وتوجيهاته من دول أخرى؟ كيف يمكن أن نتحدث عن حرية واستقلال في بلد لا يستطيع أن يتخذ قرارًا واحدًا دون الرجوع إلى جهات خارجية؟
إذن، ليست المشكلة في أن يكون هناك صراع حول السيادة بين اللبنانيين، بل في أن تتحوّل هذه المعركة إلى هجوم على أولئك الذين يطالبون بسيادة حقيقية. السعي لتحقيق سيادة لبنان لا يعني الانغلاق على الذات، بل يعني بناء دولة مستقلة تُقرّر مستقبلها وتحدد علاقاتها مع الدول الأخرى بناءً على مصالحها الخاصة.
في النهاية، السيادة الحقيقية لا تأتي من مجرد رفع شعارات، بل من القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية بيد لبنانية خالصة، بعيدًا عن الهيمنة الخارجية أو التدخلات الإقليمية. لبنان بحاجة إلى أن يكون سيدا في قراره، حرًا في خياراته، ومستقلاً في مستقبله.
كل عام والوطن بخير