عروبة الإخباري – كتب : اشرف محمد حسن
استطاعت الصهيونية العالمية فرض تشكيل النظام الدولي بشكله الحالي فقد أُنشئت الجمعية العامة مع تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945، وهي الهيئة الوحيدة التي تتمتع فيها الدول الأعضاء جميعها البالغ عددها 193 بتمثيل متساوٍ والجمعية العامة هي جهاز الأمم المتحدة التمثيلي الرئيسي للتداول وصنع السياسة العامة. وتلزم في التصويت على قضايا هامة محددة، مثل التوصيات المتعلقة بالسلام والأمن وانتخاب أعضاء مجلس الأمن، موافقة أغلبية ثلثي الدول الأعضاء، أما المسائل الأخرى فتتقرر بأغلبية بسيطة والهدف من إنشاء الجمعية كان لاتخاذ قرارات مصيرية محددة ومن أبرزها تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها القرار 181 الصادر عام 1947 وقضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وبالفعل كان هذا هو السبب الرئيسي وراء انشائها فعلى الرغم من معرفة كافة الدول الأعضاء بان فلسطين لم تكن “ارضاً بلا شعب” كما روج لاحقاً بان الدول قد انطلت عليها الأكاذيب الصهيونية الا انها قد سارت في ركب الصهيونية العالمية ودعمت وجود الكيان الصهبوني، الكثيرين من المحللين والكتاب والخبراء ينفون نظرية وقوع مؤامرة دولية كبرى على الشعب الفلسطيني وانهم قد تعرضوا للخديعة من قبل الصهيونية العالمية الا ان الوقائع تشير الى ان هذا النفي ما هو الا محاولات تبرئة لانظمة الدول الاستعمارية ومن سار في ركبها حيث تم انشاء الكيان الصهيوني على ارض فلسطين في مؤامرة عالمية من المجتمع الدولي بشكل واضح اما القول بان ذلك كان عقب خديعة كبرى حول ما تم ترويجه عالمياً قبل ذلك بان فلسطين “ارض بلا شعب” غير صحيحة نهائياً بالرغم من ان العالم ككل آنذاك يعرف كذب ذاك الادعاء والادلة كثيرة على ذلك الا ان المجتمع الدولي وافق على هذه المؤامرة وساهم بها بشكل مباشر واستمر بها حتى اليوم .
الاقوال الفلسطينية المؤكدة والقائمة على أن مؤامرة دولية وقعت على الشعب الفلسطيني، ونسجت خيوطها بزرع مشروع إحلالي في أرض فلسطين وتغذيته ديمغرافيًا بنقل مهاجرين يهود من مختلف أنحاء العالم وتمكينهم من العيش في فلسطين، عبر التاريخ لا تحتاج أدلّة خاصةً مع هكذا مشاهد يراها العالم ويعايش تفاصيلها، فتكشفت الحقائق بما لا يدع مجالًا للإنكار. وهذا ما أدَّى إلى انقلاب شعوب العالم على دولة الاحتلال. وقد تجلّت لهم طبيعة الكيان الغاصب وانكشف زيف الأوصاف التي روّجتها آلة الدعاية الغربية دفاعًا عن دولة الاحتلال: (سواء أنها دولة واحة الديمقراطية وشعبها صناع السلام أو أنهم الجانب الحضاري المشرق في الشرق الأوسط) .
ان نظرية ان الشعب الفلسطيني قد تعرض لمؤامرة دولية عالمية عبر التاريخ كان البعض ينفيها او يشكك فيها او حتى يقوم بتبرير مواقف بعض الدول سابقاً الا انها اليوم لا تحتاج أدلّة مع هكذا مشاهد يراها العالم ويعايش تفاصيلها، فتكشفت الحقائق بما لا يدع مجالًا للإنكار. وفي الواقع ان المؤامرة ليست ضد فئة بعينها من الناس، بل ضد البشرية بأسرها والمأساة أن المؤامرة تقوم على استخدام الناس أنفسهم أدوات لها، واستعدائهم بعضهم ضد بعض حتى لا يبقى شخصان إلا ويناصب أحدهما الآخر العداء، ، ولعل قاعدة “اكذب ثم اكذب ثم اكذب ، حتى يصدقك الناس”، الشيطانية المنسوبة لمهندس الدعاية النازية غوبلز، هي جوهر الدعاية للمشروع الصهيوني، الذي قام على مجموعة من الكذبات التي تم ترويجها وتجييش كل الوسائل لغرسها في وجدان العالم بأسره، فيتراكم تداولها لتتحول إلى حقيقة لا تُنكر. فابتداءً بأسطورة «شعب الله المختار»، مرورا بأسطورة «أرض الميعاد»، ثم اسطورة الهلوكوست التي لا يوجد دليل واحد منطقي على حدوثها وصولا إلى اسطورة أخرى مفضوحة، كرّس لها الاستعمار البريطاني ـ الراعي الرسمي للصهيونية – وجعلها الكيان الصهيوني شعارا له، وهي أكذوبة «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض»، والغرض منها التأكيد على حق الصهاينة الذين هم «شعب بلا أرض»، في أرض فلسطين، الذين يدّعون أنها «أرض بلا شعب»، في محاولة مفضوحة لتجريد الفلسطينيين من تاريخهم واختطافه. وهذا الشعار يتضمن أكثر من معنى: المعنى الأول: نفي الوجود التاريخي للفلسطينيين قبل أن يستوطنها اليهود الصهاينة، وهو ادعاء محض كذب، يدل عليه فشلهم الذريع بعد عقود طويلة من التنقيب عن آثار لهم في فلسطين سابقة على وجود الكنعانيين العرب، إذ الثابت تاريخيا ومن خلال الكشوفات الأثرية، أن اليبوسيين العرب (من الكنعانيين) هم أول من سكن ارض فلسطين، وذلك في الألف الثالث قبل الميلاد، أي قبل وجود يعقوب (إسرائيل) بعدة قرون، بل قبل وجود الخليل إبراهيم عليه السلام نفسه .
قبل 102 عاماً، نشرت صحيفة “نيويورك هيرالد” في صفحتها الأولى يوم 11 كانون الأول / ديسمبر 1917م، مقالًا تحت عنوان “إنقاذ القدس من قبل البريطانيين بعد 673 عام من الحكم الإسلامي”، وهذا ما يؤكد معرفة العالم ككل حقيقة ان فلسطين لم تكن “ارضاً بلا شعب”، وبحسب مقال الكاتب فاروق الدويس، فإن 673 سنة تعود لِلْعَدِّ إلى تاريخ 15 تموز/ يوليو 1244م، التاريخ الذي قضى فيه المسلمون على آخر مملكة للصليبيين في القدس، حين أعاد الخوارزميون والأيوبيون بقيادة السلطان الصالح أيوب فتحها وهذا ما يفضح الاكاذيب البريطانية والصهيونية حول اكذوبة ان “فلسطين ارض بلا شعب” بل واقرار دامغ بان فلسطين كان فيها شعب فبعد انتصار القوات البريطانية على تركيا في الحرب العالمية الأولى بقيادة الجنرال اللنبي دخلت فلسطين عام 1917م تحت الانتداب البريطاني حتى عام 1948م ، حيث انسحبت مفسحة المجال أمام اليهود لإقامة دولتهم في ارض فلسطين التي سميت ب “إسرائيل” . ونجحت العصابات الصهيونية بمساعدة كل من بريطانيا والولايات المتحدة في إلحاق هزيمة بالعرب في حرب 1948م ، وأعلنوا قيام دولة الكيان الصهيوني المحتل “إسرائيل” وهذا ما يؤكد ايضاً معرفة كافة دول العالم كانظمة وشعوب بحقيقة ارض فلسطين لم تكم “ارضاً بلا شعب” وما يحدث الان جرائم ابادة جماعية واعمال تطهير عرقي بحق ابناء الشعب الفلسطيني امام سمع وبصر المجتمع الدولي وكافة شعوب الارض وعدم اتخاذ التدابير اللازمة ضد الصهاينة ومن يدعمهم لوقف هذه الجرائم بما فيها الخيارات العسكرية ما هو الا استمرار في هذه المؤامرة التي دامت لاكثر من مئة عام .
لقد كان انشاء كيان الاحلال الصهيوني على ارض فلسطين عقب ارتكاب الصهاينة العديد من المجازر والمذابح بحق الشعب الفلسطيني صاحب الأرض، وتهجير ما يقرب من 900 ألف منه عنوةً وبالقوة، ونتج عنه قيامُ دولة الاحتلال وإعطاؤُها شرعية دولية، وبقاء الشعب الفلسطيني طوال هذه الفترة لاجئًا بأوضاع بائسة ومن دون كيان سياسي ولا دولة بحد أدنى من السيادة، وبالتأكيد كان ذلك بمباركة وبدعم مباشر من المجتمع الدولي .
جاءت الأحداث الجسام منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2023 م وانطلاق معركة طوفان الاقصى وحتى الان، وارتكاب دولة الاحتلال جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والقتل الممنهج، لتكشف امام كافة الشعوب جرائم الاحتلال بشكل ملموس وعلى مرأى من العالم أجمع وبتوثيق دقيق وغير مسبوق الا ان المجتمع الدولي لم يحرك ساكناً تجاه هذه الجرائم . كل ذلك كشف حقيقة ما جرى حين وقعت نكبة 48، وبالتأكيد كان بعلم كافة النخب السياسية في كافة انحاء العالم وأن الطبيعة الإجرامية المتأصلة لدولة الاحتلال بمؤامرة دولية منذ البداية وليست وليدة هذه الأيام .
وهذا ما أدَّى إلى انقلاب شعوب العالم على دولة الاحتلال على الرغم من ان انظمة تلك الدول متورطة بشكل مباشر ومستمر اذ انها وبالرغم من رفض شعوبها الاستمرار في هذه المؤامرة الا انها لا تزال تدعم الكيان الصهيوني بسبب ان الفئات التي تحكم هذه الدول ترتبط بالكيان الصهيوني بمصالح مالية ومادية وان الكثير من هذه الادارات لا تملك قرارها ومثال على ذلك تنصل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من تصريحاته التي تحكي التاريخ كما هو تأتي كجزء من اعلان توبته ايضاً للنتن ياهو والتي أدلى بها خلال جلسة مغلقة لمجلس الوزراء الفرنسي وقال فيها إنه يجب على النتن ياهو ألا ينسى أن “إسرائيل” أنشئت بقرار من الأمم المتحدة، ولذلك لا ينبغي له أن يتنصّل من قرارات المنظمة وبعدما تعرض له من توبيخ علني من قبل النتن ياهو وبعض المسؤولين الصهاينة ليعود ويعلن توبته لهم .
كذلك الامر ما حصل مع الرئيس الامريكي جو بايدن حيث جرت بينه وبين ورئيس الوزراء الصهيوني النتن ياهو عبر الهاتف في شهر نيسان 2024م على خلفية استهداف جيش الاحتلال الصهيوني لفريق المطبخ المركزي العالمي الذي ادى الى مقتل سبعة من أعضاء الفريق من جنسيات أوروبية وتداعيات ذلك..وبسبب انفعاله ورفع صوته في وجهه عبر الهاتف، قدمت مذكرة انذاك الى مجلس النواب الأمريكي تطالب بتوبيخ الرئيس جو بايدن لدعوته إلى “وقف فوري لإطلاق النار” في غزة، خلال ذلك الاتصال وقد أظهرت الأحداث بعد ذلك استعداد الرئيس الأميركي بايدن وكبير دبلوماسييه لتقديم كافة القرابين وخسارة كل شيء مقابل استرضاء النتن ياهو ومجاراته في تلاعبه بالمقترحات المقدمة لوقف إطلاق النار غزة ، مما يؤكد ان الولايات المتحدة الامريكية، لا تستطيع القيام بأية ضغوط حقيقة ومؤثرة على النتن ياهو، وبدا مع الوقت أنها لا تستطيع استخدام أي من وسائل التأثير على سير الحرب، الواضح تماماً انه كما تاب بايدن الى النتن ياهو سحب الرئيس ماكرون لتصريحاته بالإضافة الى ما سيضطر الى تقديمه من تنازلات وقرابين .
وكأن التاريخ يعيد نفسه في مشاهد عدة للصراع حول فلسطين، فالغطاء الدولي المنحاز للمعتدي دون الاكتراث للمعايير السياسية والقانونية والإنسانية يتكرر هذه الأيام من الدول نفسها، وعلى أيدي أحفاد اللاعبين السياسيين أنفسهم منذ ثمانية عقود خلت وقبلها .
وعلى المسرح الدبلوماسي، كان أداء الولايات المتحدة المنحاز بشكل سافر، واستخدام حق النقض “الفيتو” عدة مرات لمنع طلب الوقف الفوري للعدوان رغم مشاهد القتل، رغم استخدام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش صلاحياته بتفعيل الفصل السابع في مشهد نادر لطلب التدخل لحماية الشعب الفلسطيني، لكن واشنطن استخدمت “الفيتو” لإجهاض مشروع القرار، وهذا يقدم مقاربة لمشاهد الأمم المتحدة (ومناورات واشنطن على الدول الصغيرة) التي أدت لصدور قرار التقسيم الظالم عام 1947 الذي أفضى لقيام دولة الاحتلال، بشكل سهّل مهمة تمكين دولة الاحتلال في فلسطين وإعطاء غطاء لكل جرائمها .
ان ما يدور الآن من أحداث امام اسماع وابصار كافة شعوب الارض هو دليل دامغ على وقوع مجازر دير ياسين والدوايمة ومعها 90 مجزرة على طول خارطة فلسطين التاريخية وعرضها، ارتقى معها ما لا يقل عن 15 ألف شهيد (والرقمان حسب توثيق المؤرخ الدكتور سلمان أبوستة)، هذا رغم عظمه أقل بكثير من جرائم الإبادة الجماعية والتي ترتكب خلال عامَي 2023 و2024، حيث قَتل الاحتلال ما يزيد عن 45 ألف شهيد فلسطيني، يضاف لهم آلاف المفقودين تحت الأنقاض منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حتى اليوم وبداية عام 2025 م ، وتم توثيق آلاف المجازر ارتكبت بشكل وحشي ساديّ وبدم بارد. ومع الشهداء هناك ما يزيد عن 100 ألف جريح، والأغلبية الساحقة من الضحايا نساء وأطفال .
لعل مشهد سفير دولة الاحتلال (اللاحضاري) على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء العاشر من شهر مايو/ أيار/2024 م ، وهو يمزق ميثاق الأمم المتحدة أمام أعضائها؛ احتجاجًا على التصويت الساحق لصالح توصية تُرفع لمجلس الأمن تدعم الاعتراف بدولة فلسطين، قد اختصر الكثير واكد حقيقة صحة نظرية المؤامرة الدولية الكبرى وقد اظهر عنجهية وغطرسة من قبل الكيان الصهيوني، مما خلق أجواء استفزاز عالمية على المستويين: الرسمي والشعبي. ويعايش العالم مع هذه المشاهد بشكل معمّق الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني من الاحتلال وداعميه طوال ما يزيد عن مائة سنة خلت، ولعل هذا التصرف من سفير الاحتلال هو اشارة الى الجمعية العامة للامم المتحدة الى ان مهمتها والمتلخصة في الاحتيال على الشعوب في شتى بقاع الارض لانشاء دولة الكيان الصهيوني قد انتهت ولا مبرر الان لوجودها وقد تفككها الحركة الصهيونية في اي وقت تريد فهم من لا امان.. ولا عهد لهم..
لا عهد لهم.. المؤامرة العالمية الكبرى
11
المقالة السابقة