شهد الاقتصاد الأردني خلال عام 2024 العديد من التطورات التي عكست توازنًا هشًا بين استقرار نسبي في بعض المؤشرات واستمرار التحديات الهيكلية التي تواجهها المملكة في تحقيق نمو اقتصادي مستدام. ورغم الجهود الحكومية لتعزيز الأداء الاقتصادي، جاءت الظروف المحلية والإقليمية، إضافة إلى الضغوط العالمية، لتشكل قيودًا على تطلعات النمو والتنمية.
النمو الاقتصادي في الأردن سجل معدلًا بلغ 2.4% وفقًا لتقديرات البنك الدولي. وعلى الرغم من أنه دون التوقعات الطموحة، إلا أنه يعكس استقرارًا نسبيًا في بيئة اقتصادية مضطربة. كان الأداء مدعومًا بتحسن في قطاعات محددة، مثل الصناعات التحويلية والخدمات، إلا أن ضعف تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية حال دون تحقيق قفزة نوعية في الأداء الكلي. خلال النصف الأول من العام، بلغ معدل النمو الحقيقي 2.2%، ما يشير إلى تباطؤ نسبي مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
قطاع السياحة لعب دورًا مهمًا في دعم الاقتصاد، حيث حقق الدخل السياحي في شهر حزيران نموًا بنسبة 2.1% مقارنة بعام 2023، ليبلغ 455.8 مليون دينار (642.9 مليون دولار). ومع ذلك، فإن النصف الأول من العام شهد تراجعًا في الدخل السياحي بنسبة 4.9% ليصل إلى 2.3 مليار دينار (3.3 مليار دولار)، ويعود ذلك إلى انخفاض أعداد السياح بنسبة 7.9%. هذا التراجع يبرز الحاجة إلى جهود أكبر لتنويع الأسواق السياحية وتحسين التجربة السياحية للمسافرين.
التضخم استمر في مسار مستقر نسبيًا، حيث بلغ المعدل السنوي للتضخم 1.54% خلال الفترة من كانون الثاني إلى تشرين الثاني 2024. ويُعزا هذا الأداء إلى استقرار أسعار بعض السلع الأساسية، رغم تأثير تقلبات أسعار الطاقة العالمية. في شهر تشرين الثاني وحده، سجل التضخم 1.3%، وهو ما يعد انعكاسًا لتوازن بين الضغوط السعرية والإجراءات الحكومية للحد من تأثير تقلبات الأسعار على السوق المحلية.
على صعيد المالية العامة، استمر عجز الموازنة بعد المنح في الضغط على الأداء الاقتصادي، حيث سجل العجز نسبة -5.2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من كانون الثاني إلى أيلول. أما الدين العام فقد بلغ 43.75 مليار دينار حتى نهاية أيلول، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا للحكومة التي تسعى لتحقيق توازن بين تمويل النفقات وخفض مستويات الدين. ورغم ذلك، شهدت الاحتياطيات الأجنبية استقرارًا عند 20.144 مليار دولار في تشرين الثاني، مما يعكس قدرة البنك المركزي على إدارة التحديات النقدية بكفاءة.
في سوق العمل، استمر معدل البطالة مرتفعًا عند 21.5% في الربع الثالث من عام 2024. هذا المؤشر يعكس استمرار التحديات الهيكلية في خلق فرص عمل للشباب والخريجين، على الرغم من المبادرات الحكومية الرامية لتشجيع التشغيل. وفيما يخص بيئة الأعمال، شهد القطاع المصرفي أداءً إيجابيًا مع ارتفاع الودائع البنكية بنسبة 4.5% على أساس سنوي لتصل إلى 44.3 مليار دينار.
لكن الاستثمار الأجنبي المباشر ظل دون المستوى المطلوب، مما يبرز الحاجة إلى تحسين البيئة الاستثمارية من خلال تسهيل الإجراءات وجذب المستثمرين، فقد شهد الأردن في النصف الأول من عام 2024 زيادة بنسبة 4% في تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث بلغ 413 مليون دينار مقارنة بـ396 مليون دينار في نفس الفترة من 2023. ورغم هذه الزيادة الطفيفة، لا يزال الاستثمار الأجنبي يشكل تحديًا.
حيث تشير الارقام إلى أن صافي وضع الاستثمار الدولي (يمثل ﺻﺎﻓﻲ رصيد اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻣﻦ اﻷﺻﻮل واﻟﺨﺼﻮم المالية الخارجية) في الأردن حتى نهاية النصف الأول من عام 2024 أظهر زيادة طفيفة في التزاماته نحو الخارج (30 مليون دينار)، حيث بلغ المجموع 38.107 مليار دينار مقارنة بـ38.077 مليار دينار في نهاية عام 2023. هذا يعني أن التزامات الأردن المالية تجاه الخارج قد زادت بشكل طفيف. كما يعني أن الاردن لا يزال يعتمد بشكل كبير على الالتزامات الخارجية، ولا يزال هناك تحدٍ كبير في تقليل الديون أو في تحسين وضعها المالي الدولي، وقد يكون ?ذلك تأثير على قدرة الحكومة على استدامة النمو الاقتصادي، وقدرتها على جذب الاستثمارات الخارجية بشكل أكبر.
في قطاع الطاقة، واصلت المملكة توسيع مشاريع الطاقة المتجددة لتعزيز الاستقلالية وتقليل الاعتماد على «الوقود الأحفوري». هذا التوجه لن يساهم فقط في تقليص فاتورة الطاقة، بل سيعزز الجهود الوطنية نحو تحقيق الاستدامة البيئية. ومع ذلك، ما زالت فاتورة الاستيراد تشكل عبئًا على الحساب الجاري، الذي سجل عجزًا نسبته -6.8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من العام.
رغم ما تحقق من إنجازات جزئية، يبقى عام 2024 عامًا مليئًا بالتحديات بالنسبة للاقتصاد الأردني. التحديات الأساسية تشمل خفض معدلات البطالة، تحسين مستويات المعيشة، وزيادة معدلات النمو من خلال جذب المزيد من الاستثمارات. ومع اقتراب عام 2025، يبدو أن الأردن أمام فرصة مهمة لتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية وتحقيق توازن أكبر بين النمو والتنمية الاجتماعية.
رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الأردنية