عروبو الإخباري –
الديار – ندى عبد الرزاق –
يُحيي العالم في 20 كانون الأول اليوم الدولي للتضامن الإنساني، وهو مناسبة تعكس أهمية قيم التعاضد في بناء المجتمعات ومواجهة الصعوبات. يأتي هذا اليوم ولبنان يرزح تحت وطأة ظروف قاسية متتالية، تبدأ بالانهيار الاقتصادي، مرورا بالتحديات المعيشية، وصولًا إلى العدوان “الإسرائيلي” الأخير.
ورغم قرار وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وحزب الله، لا تزال الخروقات الأمنية من قبل العدو مستمرة، ما خلّف وراءها دمارا واسعاً وتهجيراً قسرياً لنحو 900 ألف شخص من جنوب البلاد والمناطق الحدودية، ناهيكم بالخراب الذي طال الضاحية ومناطق واسعة في البقاع، قبل نحو شهرين. هذه الكوارث الإنسانية ليست سوى جزء من سلسلة طويلة من المآسي التي أنهكت الشعب اللبناني وأثقلت كاهله.
التعاون… أكثر من قيمة أخلاقية
يوضح مصدر في نقابة الاختصاصيين الاجتماعيين لـ “الديار” ان “الترابط البشري ليس مجرد شعار أو قيمة رمزية، بل هو أداة حقيقية تُحدِث تغييرا ملموسا في حياة الأفراد والجماعات. في لبنان، يبرز الدعم كاستجابة حيوية للظروف القاسية، من خلال المبادرات الاجتماعية التي تهدف إلى مؤازرة الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك العائلات الفقيرة التي تكافح من أجل تأمين احتياجاتها اليومية”.
وقد علمت “الديار” أن العديد من التحركات الذاتية أطلقت حملات تبرعات، لتأمين الغذاء والكساء للعائلات المحتاجة، مع اقتراب عيدي الميلاد ورأس السنة، وهو ما يعكس رغبة اللبنانيين في التكاتف حتى في أصعب الظروف”.
لكن التساؤل المطروح هنا: هل يمكن لهذه الجهود أن تخفف من تداعيات الأزمات وتمنح اللبنانيين بصيص أمل وسط العتمة؟
يجيب المصدر في نقابة الاختصاصيين الاجتماعيين في لبنان قائلًا: “للحديث عن الإنسانية المشتركة على الصعيد الوطني اليوم، من المهم تسليط الضوء على عدة نقاط جوهرية، من أهمها:
– إعادة بناء الثقة المجتمعية: التكافل لا يقتصر على تقديم المساعدات المادية فحسب، بل يشمل أيضا إنشاء روابط إنسانية حقيقية. تعمل هذه الاواصر على توطيد الشعور بالأمان والاطمئنان بين الأفراد، وتساهم في إعادة ارساء الثقة التي تضررت جراء سنوات من المحن المتتالية. لافتا الى انه “في مجتمع متصدع بفعل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يصبح بناء الثقة أولوية قصوى.
– غرس القيم الإنسانية في الأجيال الجديدة: يمكن للتربية المجتمعية أن تلعب دورا كبيرا في تقوية القيم الإنسانية بين الأجيال الجديدة، خصوصا بين الأطفال والشباب. لذلك، من الضروري زرع بذور التضامن في نفوس الأجيال القادمة، لضمان استدامة هذه الثقافة في المستقبل. وتسهم المدارس والمراكز الاجتماعية بشكل كبير في تعليم الأجيال كيفية التضامن والتعاون.
– ترسيخ الشراكات المؤسسية: إن تحويل الاعمال الفردية إلى برامج جماعية ذات تأثير واسع يتطلب تضافر الجهود بين الأفراد والمؤسسات، سواء كانت محلية أو دولية. ومن هنا، يجب على الحكومة اللبنانية والمنظمات الدولية والمؤسسات الخاصة أن تتعاون بشكل أكبر لتنظيم حملات مساعدات فعّالة ومستمرة، لتوفير الدعم الكافي للمجتمعات المتضررة.
رؤية النتيجة: أثر يتجاوز اللحظة
وفي الإطار، تكشف صاحبة مبادرة فردية، السيدة جاكي لـ “الديار أن “جمع التبرعات وتوزيع المساعدات في عيدي الميلاد ورأس السنة لا ينحصر على توفير الاحتياجات الأساسية، بل يحمل رسالة أعمق، وهي أن أحدا ليس وحيداً في مواجهة المحن”.
وتقول ان “المشاهد التي يظهر فيها الأطفال مبتسمين، أو العائلات التي تجد من يمد يد العون لها، تترك أثرا نفسياً واجتماعيا طويل الأمد، يخفف من شدة الإحباط ويعيد الإيمان بقدرة الإنسان على الصمود. هذا الأثر لا يقتصر على اللحظة الحالية فقط، بل يمتد ليشمل المستقبل أيضاً، ويعزز من القدرة الجماعية على تجاوز الكوارث”.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: كيف يمكن تعزيز مفهوم المساندة بشكل مستدام؟
يوضح المصدر في نقابة الاختصاصيين الاجتماعيين أنه” في ظل التحديات الراهنة، هناك خطوات عملية لتثبيت قيم التضامن، تأتي في مقدمتها:
1- زيادة الوعي الإعلامي: يجب على وسائل الإعلام أن تلعب دورا حيويا في نشر قصص النجاح التي تظهر تأثير المبادرات التضامنية. بحيث تشجع مثل هذه الروايات الآخرين على المشاركة وتعزز الروح الجماعية، كما تعكس قدرة المجتمع على الوقوف معا في أوقات النكبات.
2- تنشيط العمل الخيري: التطوع ليس مجرد تقديم المساعدة للآخرين؛ بل هو وسيلة لتمكين الأفراد وتعميق انتمائهم لمجتمعهم. إن بناء شبكة من المساهمين الفاعلين يعمل على توسيع نطاق الدعم المقدم ويجعله أكثر تأثيرا على مستوى المجتمعات المحلية.
3- إطلاق مشروعات شفافة: تفتقر بعض المقترحات إلى الثقة بسبب غياب النزاهة في توزيع التبرعات والمساعدات. لذا، من الضروري تعزيز هذا الوضوح لضمان مشاركة أوسع وفعالية أكبر. تضمن العلنية أن الأموال والاغاثات تصل إلى مستحقيها وتزيد من مصداقية المبادرات.
دور الإعلام في دعم التكافل الإنساني
ويشدد المصدر على أن “وسائل التواصل الاجتماعي اليوم تلعب دورا محوريا في نشر الوعي بقيم التضامن، اذ توثق من خلال الجولات الميدانية المعاناة وتسلط الضوء على المحاولات الناجحة، كما يمكن للمحطات الاعلامية ومواقع الشبكات الاجتماعية توحيد الجهود وحشد الدعم. وذلك لان الوقائع الإيجابية التي تنقل تأثير التضامن في حياة الناس تُحفّز الآخرين على الانخراط في مثل هذه الجهود، فضلا عن ان التواصل الرقمي ايضا يساهم في زيادة التنسيق بين الجهات المحلية والدولية لتقديم المساعدة بشكل أكثر فاعلية”.
التعاضد كضوء في نفق الشدائد
ويختم المصدر حديثه بالتنويه الى انه “في ظل هذه الظروف القاسية، يظل التضامن الإنساني شعلة أمل تنير طريق اللبنانيين نحو غد أفضل. اليوم الدولي للتضامن الإنساني ليس مناسبة رمزية فقط؛ بل هو دعوة لكل فرد ومؤسسة للمساهمة في بناء مستقبل يحمل الأمل. ومع حلول موسم الأعياد، يصبح التعاضد فرصة ذهبية لإعادة بث روح المحبة والإنسانية، ليشعر كل فرد بأنه جزء من مجتمع لا يخذله، مهما اشتدت مصاعب الحياة. يبقى التكافل الخيار الوحيد لبناء مجتمع قادر على الصمود والتجاوز في وجه التحديات”.
في الختام، تثبت “الديار” في كل أزمة تمر بها البلاد التزامها بتسليط الضوء على المشاريع الفردية التي تحمل روح التضامن الإنساني. من مشروع إعادة التدوير في مراكز الإيواء خلال عدوان “إسرائيل” الأخير إلى المبادرات التي خصصت للأطفال وكبار السن، مثلت هذه الجهود نموذجا يُحتذى به للتكاتف في أصعب الظروف.
واليوم، ومع اقتراب عيدي الميلاد ورأس السنة، تواصل “الديار” نقل صورة هذه المبادرات التي يقودها أفراد لمؤازرة العائلات المحتاجة، متجاوزين كافة الاختلافات الطائفية والسياسية. هذا هو الوجه الحقيقي للشعب اللبناني، الذي يجسد الوحدة والتآزر في أحلك الظروف.