عروبة الإخباري – كتب : اشرف محمد حسن
لم تمض الكثير من الأيام على إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، حتى بدأت عواصم إقليمية ودولية تتسابق على فتح قنوات تواصل مع حكام دمشق الجدد وكانت الخطوة الأولى أوروبيا من باريس، حيث أعلنت الحكومة الفرنسية نيتها إرسال وفد دبلوماسي إلى سوريا لتقييم الوضع السياسي والأمني، ما يعكس أهمية استباق الأحداث ورسم معالم العلاقة مع النظام الجديد والاتحاد الأوروبي بدوره لم يتأخر، إذ أكدت مسؤولة السياسة الخارجية كايا كالاس تكليف الاتحاد أبرز دبلوماسييه بزيارة دمشق والاجتماع مع القيادة الجديدة، والتي أوضحت أن نتائج هذا الاجتماع ستحدد شكل ومستوى العلاقة المستقبلية مع النظام السوري .
في المقابل، برزت مطالب القيادة السورية الجديدة على الساحة الدولية، حيث دعت إلى إزالة تصنيف الإرهاب عن بعض الفصائل وإلغاء العقوبات المفروضة على البلاد الامر الذي جعل العديد من الدول الأوروبية تعرض المساعدة وفق شروطها دون التصريح علناً بإلغاء العقوبات على الدولة السورية وعدم تصنيف الفصائل كمنظمات إرهابية بل حتى انها باتت تشترط شكل العلاقات الدولية السورية وفق اهوائها ومصالحها في محاولات لابتزاز مواقف مسبقة اذ أعلن وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب أن إغلاق قواعد روسيا في سوريا سيكون ضمن الشروط الأوروبية لدعم دمشق” وأشار فيلدكامب في تصريح له إلى أن رفع العقوبات عن سوريا سيكون مرتبطاً بإطلاق مسار سياسي وضمان حقوق الأقليات اما حول شطب “هيئة تحرير الشام” من لوائح “المنظمات الإرهابية” في الاتحاد الأوروبي، اعتبر وزير الخارجية الهولندي أن هذا الأمر سابق لأوانه على الرغم من ان اغلب دول العالم قد فتحت قنوات اتصال معهم فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أنه تم التواصل مع “هيئة تحرير الشام” في سوريا للتباحث بشأن العثور على الأميركي المحتجز هناك، أوستن تايس، ومسار انتقال السلطة في البلاد وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، عن الاتصال بالجماعة التي لاتزال على لائحة الإرهاب إنه “لا توجد منظمة حكومية أميركية على الأرض في سوريا حاليا للبحث عن أوستن تايس، لكن لا نستبعد ذلك”.. كما قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، إن لندن أجرت اتصالات دبلوماسية مع “هيئة تحرير الشام” التي أطاحت بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024 وأضاف لامي في تصريحات لصحفيين أن “هيئة تحرير الشام” لا تزال منظمة محظورة لكن يمكننا إجراء “اتصالات دبلوماسية” وأفاد بأنهم يسعون للتعامل مع “هيئة تحرير الشام” حيثما يتعين عليهم ذلك وكان وزير الدفاع البريطاني جون هيلي قد أعلن أن سلطات بلاده لا ترى أي عوائق أمام المفاوضات مع “هيئة تحرير الشام” في سوريا رغم وجودها على قائمة المنظمات الإرهابية المحظورة..!
وعلى ما يبدو ان روسيا لا تنوي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا اذا وجدت الترحيب من قبل الدولة السورية فقد اعلن الكرملين أن مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا لا يزال قيد النقاش، مشيرا إلى أن الاتصالات مع المسؤولين السوريين لا تزال مستمرة. وأكدت الخارجية الروسية أن السفارة الروسية في دمشق تعمل كالمعتاد، وأن السفير ألكسندر يفيموف لا يزال موجودا في العاصمة السورية كما قالت روسيا إن طائرة خاصة أقلعت من قاعدة حميميم الجوية في سوريا وعلى متنها بعض الدبلوماسيين من روسيا وروسيا البيضاء وكوريا الشمالية اما الخارجية الإيرانية فقد أوضحت أنها ستعيد فتح سفارتها في سوريا بمجرد ضمان أمن السفارة وموظفيها، قائلة “نفضل عدم استخدام مصطلح وشيك بشأن فتح سفارتنا في لأن ذلك يتطلب تحضيرات” مشيرة الى أن علاقات إيران تاريخية مع سوريا و”نريد الخير لها وسياساتنا ستستمر في هذا الاتجاه”، لافتة إلى أن “هناك مبالغة بحجم ديون سوريا لإيران والمعاهدات الثنائية بيننا قائمة وستنتقل للحكومة القادمة .
أن القيادة السورية الجديدة ستحتاج بطبيعة الحال إلى إعادة بناء خطوط التواصل مع المجتمع الدولي بسبب الحاجة الماسة لإعادة الإعمار ورفع العقوبات الدولية عن البلاد واستعادة الشرعية الدولية ستكون هدفًا رئيسيًا لأي سلطة جديدة، رغم إدراك ازدواجية المعايير الدولية، وهنا علينا ان لا ننسى أن بعض الدول الأوروبية، التي بدأت الآن بالتواصل مع القوى السياسية السورية الجديدة، كانت قبل ذلك تسعى للتطبيع مع نظام الأسد وأن تحرك أوروبا السريع للتواصل مع القيادة السورية الجديدة أمر متوقع، خاصة بسبب القرب الجغرافي وملفات الأمن واللاجئين، بجانب الرغبة في الحفاظ على موقعها في المفاوضات الإقليمية والدولية وهناك سباقا متسارعاً خاصةً مع اقتراب وصول دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، مما قد يدفع الأوروبيين لتعزيز حضورهم في الملف السوري، في محاولة لنيل اكبر حصة ممكنة سواء كان من النفوذ الإقليمي في المنطقة ما تستطيع مع التركيز على ابتزاز تقليص دور كل من روسيا وإيران دون مراعاة لمصالح الدولة السورية المستقلة في قرارها وهنا تكمن الخطورة .
ان إقامة العلاقات الدولية امر ضروري لاي بلد او نظام الا انه لا يكون وفق شروط مسبقة بقطع علاقات مع دول أخرى اذ انها اذا فعلت أصبحت ذات تبعية مباشرة لدولة أخرى ذات النفوذ دون مراعات لمصالحها أي انها تصبح تحت حصار هذه الدولة بل وتحت احتلالها وببساطة إذا تمكن السوريون من تجاوز خلافاتهم خلال 3 أشهر فقط وتحقيق توافق على دستور جديد، بدون أي تدخل خارجي او الرضوخ لابتزازات بعض الدول الغربية بحجة مساعدات ستتمكن الدولة من مواجهة الضغوط الخارجية ومن موقع قوة، مدعومة بشرعية شعبية ووحدة داخلية، أما في حال الفشل، فستكون الثورة عرضة للنهش من قبل جميع الأطراف اما الدول التي تحاول الابتزاز فستعود لمحاولة تطبيع علاقاتها مع النظام الجديد للدولة كما فعلت مع النظام السابق، فعلاقات دبلوماسية مع دولة سوريا مهمة بالنسبة لها ومصالحها تقتضي ذلك ودون فرض أي شروط على سوريا واشتراطهم قطع العلاقات مع دول أخرى يؤكد انهم يريدون فرض والوصاية على سوريا بحيث يتحكمون بها وفق مصالحهم كدول استعمارية لا مصالح الدولة السورية فهم من لا امان.. ولا عهد لهم..!
لا عهد لهم.. ابتزازات دولية لفرض الوصاية على سوريا ..!
19