عروبة الإخباري –
مع سقوط نظام بشار الأسد وهروبه إلى روسيا، تدخل منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التحولات السياسية والأمنية التي لن تكون تداعياتها بعيدة عن لبنان. هذا الحدث المفصلي يضع لبنان أمام تحديات كبرى، تتمثل في حماية أمنه الداخلي، وإدارة تداعيات الأزمة السورية على أراضيه، والحفاظ على استقراره وسط لعبة المحاور الإقليمية.
في هذه اللحظة التاريخية، تبرز أهمية الالتفاف الوطني حول مشروع جامع يعزز وحدة لبنان ويُبقيه بمنأى عن الفوضى الإقليمية، مما يفتح المجال أمام بناء دولة قادرة على مواجهة المستقبل بثبات.
فقد شهدت منطقة الشرق الأوسط تغيرات جذرية خلال العقود الأخيرة، مع بروز تحولات سياسية وأمنية أثرت بشكل مباشر على استقرار الدول والمجتمعات. ومن بين تلك القضايا التي تحمل أبعاداً إقليمية ودولية شديدة التعقيد، تأتي الأزمة السورية وسقوط نظام بشار الأسد كهزة سياسية ذات تداعيات هائلة على الدول المجاورة، ولبنان في مقدمتها.
لبنان وسوريا: الجوار المتشابك
تاريخياً، يرتبط لبنان وسوريا بروابط جغرافية وثقافية وسياسية معقدة، ما يجعل كل تطور في سوريا ينعكس بشكل مباشر على الوضع في لبنان. مع سقوط نظام بشار الأسد وهروبه إلى روسيا، تبرز تحديات وفرص جديدة أمام لبنان:
تحدي الأمن والاستقرار الداخلي
انهيار نظام الأسد قد يؤدي إلى فراغ أمني على الحدود اللبنانية-السورية، ما يعزز خطر تسلل الجماعات المسلحة وانتشار الفوضى. هذا الواقع يتطلب من الدولة اللبنانية تعزيز قدراتها الأمنية والعسكرية لضبط الحدود ومنع أي تداعيات أمنية مباشرة.
ملف اللاجئين السوريين
يحتضن لبنان أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب. ومع سقوط النظام، قد تتغير ديناميكيات عودتهم إلى سوريا، ما يستوجب وضع خطة متوازنة تضمن عودة آمنة وكريمة لهم، مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في لبنان.
الصراع الإقليمي وتأثيره على لبنان
رحيل الأسد إلى روسيا قد يعيد رسم خارطة التحالفات الإقليمية. يمكن أن يخفّ نفوذ إيران في سوريا، وهو ما قد يغير موازين القوى في لبنان، خاصة فيما يتعلق بدور حزب الله كفاعل أساسي في الساحة اللبنانية. هذا الواقع يضع لبنان أمام فرصة لإعادة صياغة علاقاته الإقليمية وتعزيز استقلاليته.
أهمية الالتفاف الوطني حول لبنان
في ظل هذه التطورات، يصبح الالتفاف الوطني حول لبنان ضرورة قصوى. إذ إن تحقيق الاستقرار وحماية السيادة الوطنية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال توحيد الجهود الداخلية، بعيداً عن الانقسامات الطائفية والسياسية التي لطالما أثرت سلباً على قدرة لبنان على مواجهة الأزمات.
تعزيز الهوية الوطنية
تحتاج القوى السياسية والمجتمعية إلى العمل معاً لتغليب الهوية اللبنانية على المصالح الفئوية، عبر تبني سياسات وطنية تصب في مصلحة الدولة وشعبها.
إطلاق حوار وطني شامل
يمكن للحكومة اللبنانية أن تقود مبادرة لإطلاق حوار وطني يشمل كافة الأطراف السياسية والمجتمعية، للاتفاق على رؤية موحدة لكيفية التعامل مع المرحلة المقبلة.
الدعم العربي والدولي
إن سقوط الأسد فرصة للبنان لإعادة تفعيل علاقاته مع الدول العربية والمجتمع الدولي. يمكن للبنان أن يستفيد من الدعم الاقتصادي والسياسي لإعادة بناء مؤسساته وتعزيز استقراره الداخلي، شرط أن يثبت التزامه بالحياد الإيجابي وعدم الانخراط في المحاور الإقليمية.
الفرصة لإعادة بناء لبنان
رغم أن سقوط نظام الأسد يفتح الباب أمام العديد من التحديات، إلا أنه يشكل أيضاً فرصة حقيقية للبنان لتجاوز أزماته المتراكمة. يمكن للبنان أن يستفيد من هذا التحول الإقليمي لتحقيق استقلالية أكبر وإعادة بناء مؤسساته على أسس الشفافية والكفاءة.
إعادة هيكلة الاقتصاد
يجب أن تُستثمر المساعدات الدولية لإطلاق مشاريع تنموية مستدامة تعزز الاقتصاد اللبناني بعيداً عن الفساد والمحاصصة السياسية.
الإصلاح السياسي
تشكل المرحلة المقبلة فرصة لإعادة النظر في النظام السياسي اللبناني، والعمل على تحديثه بما يضمن العدالة والمساواة بين كافة مكونات الشعب اللبناني.
سقوط نظام بشار الأسد وهروبه إلى روسيا يمثل نقطة تحول كبرى في تاريخ المنطقة. وبالنسبة للبنان، فهو بمثابة اختبار لقدرة الدولة والشعب على الصمود أمام التحديات وتحويلها إلى فرص. إن حماية لبنان تستدعي وحدة الصف الداخلي، ودعماً عربياً ودولياً، ورؤية واضحة تعيد بناء الدولة اللبنانية بعيداً عن الحسابات الضيقة. في هذه المرحلة الحرجة، فإن الالتفاف حول لبنان ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة وجودية لضمان أمنه واستقراره ومستقبله.