كيف نتعامل، أردنيا، مع سوريا الجديدة، نذهب إلى دمشق أم نتمهل؟ الأسئلة يمكن أن تكون «سورياً» معكوسة أيضا، لا فرق، بعد عام 2011 نجحنا بتقديم مقاربات على قاعدة «الحياد الإيجابي»، التدخل الأردني كان في حدود المصالح العليا للدولة وحماية أمننا الوطني، الآن اختلفت الصورة، نحن أمام تنظيمات مسلحة لم تتحول بعد إلى دولة، صحيح لدينا خبرة طويلة في التعامل معها، لكن ما جرى داخلها من تحولات، وفي البيئة السياسية المحيطة بها، يحتاج إلى فهم أكثر، ومقاربات مختلفة.
بحكم الجغرافيا على الأقل، ناهيك عن العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية، لا يمكن أن يسقط الأردن من اعتباره ضرورة الاشتباك مع الملف السوري، مهما كان اللاعبون فيه ؛ تنشيط الدور الأردني في سوريا ضرورة تقتضيها مصالح الطرفين معا، السؤال المهم : كيف نستطيع تحقيق التوازن بين الانخراط الإيجابي وبين استحقاقات التحولات داخل سوريا، والأطراف التي تتصارع عليها ؟ بمعنى آخر : كيف يمكن للأردن أن يكون جزءاً من الحل وشريكاً فيه، دون أن يصبح طرفا في النزاع، أو محسوبا على جهة ضد أخرى؟
لم تتضح بعد خرائط سوريا السياسية، الأيام القادمة، ربما، تُفصح عن بعض الملامح والخطوط، لا شك الوضع القائم يحظى بوصايات متعددة، إقليمية ودولية، الأغلب أن دورها سيكون متفاوتا ومتقلبا من حيث القوة والحجم والتناوب، وربما تختلف فيما بينها، التنظيمات التي سيطرت على الحكم، وأسقطت النظام، لا تستطيع أن تعبر مرحلة التنظيم إلى مرحلة الدولة إلا بمساعدة أصدقاء، هنا نحتاج إلى عام، على الأقل، بعد ذلك ستبدأ مرحلة تشكل النظام الجديد، هذا ما يمكن أن يحدث في أحسن الأحوال، لكن احتمالات الفوضى والمفاصلة بين التنظيمات، بين المكونات، كل ذلك وارد وبقوة، سوريا الجديدة أمام فرصتين : الانتقال المتدرج والآمن إلى دولة لكل السوريين، أو الفوضى والتقسيم والعودة إلى حكم الاستبداد.
إستراتيجيا، يبدو خيار أن نذهب إلى سوريا محسوما بنعم من حيث المبدأ، لأننا لا يمكن أن نتفرج على المشهد او نتعامل معه كشهود فقط، لكن هذا الحسم سيكون، بتقديري، وفق عملية مستمرة من التقييم، وإعادة التقييم، أقصد أنه سيكون محسوبا بدقة، ليس، فقط، مع الأطراف السورية بمختلف أشكالها وجغرافيتها، وإنما مع اللاعبين الذين أداروا الملف، والآخرين الذين يمكن أن يتسللوا إليه لاحقا.
في موازاة ذلك، كيف يتكيف الأردن داخليا مع ارتدادات الزلزال السوري، هل سنحتاج إلى استدارات جديدة فيما يتعلق بحصانة الجبهة الداخلية، مسار التحديث السياسي، ملفات مواجهة التطرف، الأوضاع الاقتصادية، وبكل ما يترتب من ضرورات لتحسين المزاج العام ؟ أعتقد أننا أمام فرصة / ضرورة لرفع حالة المناعة الوطنية، من خلال العمل بجدية للخروج من هوة انحسار الثقة بين الأردنيين وإداراتهم العامة، والانتقال بشكل جذري إلى مرحلة اليقين السياسي تجاه كل ملفاتنا المعلقة.
بصيغة أخرى، لابد من إعلان « النفير الوطني» لمواجهة تحديات الأيام القادمة، لابد من التعامل بحزم -وفق القانون- مع من يحاول زعزعة أمننا، أو الاستقواء على مؤسساتنا، أو التعامل مع الدولة بمنطق الندية، لا وقت يسمح للتهاون مع أي جهة تحاول (إثر ما جرى في سوريا ) أن تفرد عضلاتها لتخويف الأردنيين، أو وضعهم في مرمى نيران تقمصات وانتصارات سياسية مغشوشة.