عروبة الإخباري –
الديار – ندى عبد الرزاق –
في ظل الحرب التي شنها العدو الإسرائيلي على لبنان منذ ما يقارب العام، لا تزال النساء يدفعن أثمانا مضاعفة جراء النزاعات. اذ يتعاظم العنف ضدهنّ بشكل ملحوظ، وغالبا ما يجدن أنفسهنّ في مواجهة خطر التهميش والتمييز، ما يستدعي تدخلاً عاجلاً لحمايتهنّ وضمان حقوقهنّ. لذلك، أطلقت منظمة “أبعاد”، حملة “اعتداء ما بيغطي اعتداء”، لتسليط الضوء على هذا الواقع المؤلم، ولتؤكد أن حماية النساء يجب أن تكون أولوية دائمة حتى في أصعب الظروف.
من جهتها، أكدت السيدة غيدا عناني، مؤسسة ومديرة المنظمة، في بيان، أن “حماية النساء لا يمكن أن تُستثنى من الخطط الإغاثية والاستجابة الإنسانية متعددة القطاعات”، مشيرةً إلى أن العنف الجسدي والنفسي يفاقم معاناة النساء اللواتي يتحملن أعباءً إضافية خلال الحروب. وأضافت أن “غياب الخصوصية والأمان يعرضهن لمخاطر مستمرة، كما يعوق حصولهنّ على خدمات أساسية، مثل الرعاية الصحية والدعم النفسي”.
أحد النماذج التي وردت ضمن الحملة يعكس هذه المعاناة: تقيم سيدة نازحة بسبب الحرب الآن في مدرسة مؤقتة، بعدما أُجبرت على الانفصال عن زوجها بسبب النزوح. تعيش وحيدة مع طفلها الرضيع، قائلةً: “كل المسؤولية عليّ، أشعر أنني أواجه هذا الكابوس وحدي”.
وتشدد الحملة على أهمية تكثيف الجهود القطاعية لتأمين الوقاية للنساء من العنف بجميع أشكاله، مع تعزيز التعاون مع المنظمات الإنسانية لتوفير الملاجئ الآمنة والرعاية الشاملة للمتضررات. وتدعو عناني إلى ضمان إيصال صوت النساء والمحافظة على حقوقهنّ، مشددةً، “حماية النساء ليست ترفًا بل ضرورة لا تحتمل التأجيل”.
حالات العنف “مش مقبولة”!
بدورها، توضح لمى جرادة، منسقة تقنية للبرامج الوقائية في منظمة أبعاد لـ “الديار” أن “تصاعد وقائع العنف ضد النساء أثناء الأزمات والحروب ليس ظاهرة جديدة، ولكنه يتفاقم وتتزايد هشاشة النساء والفتيات خلال هذه الفترات الطارئة بسبب العديد من العوامل التي تتضافر لتخلق بيئة تضع هذه الفئة في مواقع ضعف شديد. من أبرز هذه الأسباب:
1. الوصمة والضغوطات النفس اجتماعية
وتشير الى ان “النساء اللواتي يعانين من العنف غالبا ما يواجهن وصمة اجتماعية تمنعهن من التبليغ عن المعتدي أو طلب المساعدة والحماية. فضلا عن ذلك، تؤدي الضغوط النفسية والاجتماعية إلى تصعيد العنف الأسري بشكل عام، حيث يلجأ بعض الرجال إليه كوسيلة للتنفيس عن الإحباط أو لإعادة تأكيد السيطرة في مواجهة شعورهم بفقدان القوة أو الاستقرار”.
وتضيف “في حالات كثيرة، لا تزال النساء والفتيات يعتبرن أن التعرض للاعتداء هو أمر حتمي وطبيعي أو يعتقدن أن الأولوية خلال الأزمات والحروب، خاصةً، هو الحصول على ملاجئ آمنة لهن ولعائلاتهن، مما يعزز شعورهن بالعزلة والعجز، الأمر الذي يفاقم عدم قدرتهن على الوصول إلى المعلومات والخدمات الأساسية المتعلقة بالحماية والدعم النفسي الاجتماعي”.
2. تفكك النظام الاجتماعي والقانوني
وتتابع “أثناء الحروب، تضعف أو تنهار الأنظمة القانونية والأمنية، الامر الذي ينجم عنه إفلات مرتكبي العنف من العقاب من جهة، ومن جهة اخرى، تواجه النساء صعوبة في التوصل الى الخدمات القانونية وبالتالي التبليغ عن الإساءات والعنف الموجه ضدهن. لذلك، يصبحن أكثر عرضة للاعتداءات الجسدية والجنسية نتيجة للفراغ الأمني وضعف مؤسسات الحماية”.
3. الأزمة الاقتصادية
وتستكمل جرادة “في الوقت الذي ترتفع فيه أكلاف الحرب البشرية، الاجتماعية والنفسية والاقتصادية بالتحديد، ينتج من النزوح وفقدان الوظائف ومصادر الدخل وارتفاع معدلات الفقر، تكاثر الضغط على الأسر بشكل عام، وبخاصة على النساء اللواتي خسرن المعيل الاساسي واضطررن الى الخروج من مناطقهن بحثاً عن أماكن آمنة وعائدات محتملة. في هذا السياق، تصبح النساء أكثر عرضة للاستغلال الاقتصادي، بما في ذلك الزواج القسري أو الاتجار بالبشر، بسبب الحاجة الماسة إلى الموارد”.
4. النزوح وعدم الاستقرار المكاني
وتؤكد ان “النزوح القسري يضع النساء في بيئات غير آمنة، مثل المخيمات والملاجئ المكتظة التي تفتقر إلى الخصوصية والحماية، حيث تزداد حالات التحرش والعنف في هذه الظروف بسبب الافتقار إلى آليات مراقبة فعالة”.
وتلفت الى انه “وفقا للدولة اللبنانية ومنظمات الأمم المتحدة، يوجد خلال الحرب نحو مليون و300 ألف نازح، نصفهم من النساء، وحوالي 11 ألف امرأة نازحة حامل، و62 ألف أسرة نازحة تعيلها النساء، وأكثر من 50 ألف نازحة هنّ في سن الإنجاب. وقد قدّمت أبعاد الإسعافات الأولية النفسية لـ 2233 فرداً، وتمّ توفير الإرشاد والمتابعة لـ 33 حالة عنف، و45 مساعدة نقدية طارئة لتعزيز الحماية. كما شارك 890 فرداً في جلسات توعية، وتلقت 1159 امرأة حزمة حماية ونظافة شخصية”.
عدد التبليغات “مهول”
وتكشف ان “عدد الشكاوى من حالات العنف الأسري المبلّغ عنها على الخط الساخن 1745 لدى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي هذه السنة حتى شهر تشرين الثاني هو 557 حالة عنف جسدي، 95 حالة عنف معنوي، 3 حالات عنف جنسي، و5 حالات غير ذلك. وبذلك، يكون مجموع عدد الشكاوى المبلّغ عنها لقوى الأمن الداخلي حتى شهر تشرين الثاني 660 شكوى، مشيرة الى ان أكبر عدد من المعتدين كانوا الأزواج والآباء”.
وتقول: “في عام 2023، وصل عدد الشكاوى من حالات العنف الأسري المبلّغ عنها في لبنان الى 767 شكوى، حيث بلغ عدد النساء اللواتي قُتلن 29حالة، بينما سجل الاعتداء الجنسي 172 حالة. وكان أكبر عدد من المعتدين هم الأزواج والآباء. اما في العام 2022، فقد بلغ عدد الشكاوى من حالات العنف الأسري المبلّغ عنها 1185 شكوى، 90% منها عنف جسدي، في حين ان 58% من المعتدين كانوا من الأزواج”.
وتبيّن انه “وفقًا لـ UN WOMEN، تُقتل كل 10 دقائق امرأة على يد شريك حميم أو أحد أفراد العائلة (نوفمبر 2024). و1 من كل 3 نساء على مستوى العالم تعرّضن للعنف الجسدي أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتهن. 58% من الفتيات والنساء الشابات تعرّضن لشكل من أشكال التحرش عبر الإنترنت. 85,000 امرأة وفتاة قُتلن العام الماضي (2023)، حوالي 60% منهن قُتلن على يد أزواجهن أو أحد أفراد العائلة”.
في الخلاصة، تواصل النساء في لبنان مواجهة تزايد حالات العنف خلال النزاعات والحروب، حيث تشتد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية عليهنّ. تشير الإحصائيات إلى أن العنف ضدهن في لبنان يعكس أزمة حقيقية، مع تسجيل حالات عنف جسدي ومعنوي واعتداءات جنسية، في وقت يعاني فيه النظام الاجتماعي والقانوني من تفكك حاد. تواجه هذه الشريحة في لبنان تحديات كبيرة، مثل الوصمة الاجتماعية وضغوط الحياة اليومية أثناء النزوح، في ظل غياب الحماية والخصوصية في الملاجئ. كما تزايدت نسبة اولئك المعرضات للاستغلال الاقتصادي، مثل الزواج القسري والاتّجار بالبشر، بسبب الظروف المعيشية الصعبة.
في هذا السياق، تعمل المنظمات الإنسانية على توفير الدعم والحماية، بينما تؤكد حملة “اعتداء ما بيغطي اعتداء” على أهمية تدخل المجتمع الدولي لضمان الحقوق الأساسية للنساء وتقديم الملاجئ الآمنة والخدمات الصحية والنفسية. وتعرض الإحصائيات المختلفة المتعلقة بالشكاوى من حالات العنف الأسري، حيث تشير التقارير إلى تصاعد في عدد التبليغات، مع نسبة كبيرة من المعتدين الذين هم الأزواج والآباء.