لا يكسر حاجز الخوف إلا تحطيم جدار الصمت وتهشيم أسوار السكوت عن قول الصدق. تلك درجة من درجات الكذب وأخطرها على الإطلاق الخرافة، سيما تلك التي يتم تقديسها تضليلا باسم الشرع أو تدليسا باسم القانون أو العرف.
العارفون المؤمنون يقينا، يعلمون في قرارة أنفسهم أن الله حق ولا تعلّم شرائعه ومن قبل ناموسه إلا الحق والحقيقة. هو وهي مصدر الحرية والتحرير لكل شيء، من الإنسان وحتى ما أقامه من هياكل، ومنها الدول ومؤسساتها.
تشكلت أولى حكومات سورية ما بعد الأسد، أعان الله السوريين كافة وجميع جيرانهم -خاصة مضيفيهم- على مرحلة انتقالية ينبغي أن تقوم على الصدق أولا وقبل كل شيء. الكذب أول الخطايا لا الأخطاء وأكثرها فداحة. لا ننسى أن انقلاب حافظ الأسد رئيس سورية الراحل كان تحت لثام «حركة تصحيحية»! ولا ننسى من قبلُ أن الانفصال بين نجمتي العلم السوري السابق، ما عرف بالجمهورية العربية المتحدة كان على ترتيب شعارات القطرين الشمالي (سورية) والجنوبي (مصر)، أيهما يتقدم على الآخر؟ الوحدة أم الحرية أم الاشتراكية؟ فلم يتحقق أي منها لا في زمن التصحيح، ولا التوحيد (الوحدة الاندماجية) ولا «جبهة الصمود والتصدي» ولا «محور المقاومة والممانعة»!
أهم الوزارات هي من بين الوزارات التي لا بد من إلغائها خاصة في البلاد الخارجة للتو من أتون الحروب والقلاقل، ألا وهي وزارة الإعلام. الإعلام، وحق الناس في الوصول إلى الحقائق المجردة قبل السرديات الإعلامية وبعهدها، ينبغي أن يبقى وطنيا مستقلا بالكامل لا تحكمه حكومات من المفترض أن تعدّ أعمارها في حدود البضع سنين، بمعنى لا تقل عن ثلاثة ولا تزيد على تسعة أعوام حتى لو كانت رشيدة راشدة.
في سوريانا الحبيبة، ترسانة أسلحة «استراتيجية» تم بناؤها سوفييتيا وروسيا زهاء نصف قرن، لكنها لم تدفع عن الوطن ولا عن النظام أشرار الكذب وويلات وهم البطش وهيلمان الفساد. لا «كذب أبيض» فيما يخص كرامة الناس وحرماتهم وحقوقهم وقوتهم. تحرير الإعلام ومن بعد الاقتصاد، وكف يد الحكومات ما أمكن عن التدخل فيما يخص الأسرة والعشيرة والتعدديات الإثنية في دولة المواطنة وسيادة القانون، هي أولويات ينبغي ألا تغيب عن مراقبي أداء أول حكومة في سورية ما بعد الأسد برأسها «الإخواني» محمد البشير الذي عرض أرشيفه على قنوات داعمة لما سمي زورا وبهتانا «الربيع العربي». مقاطع صوتية أشاد بها بعد بحسن البنا رحمه الله مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الذي شكا يوما علانية من «تسرب الجماعة كما الماء من بين أصابعه» وندد قبلها بمن قال فيهم حزنا وأسفا: «ليسوا بإخوان وليسوا بمسلمين» تنديدا باستخدام العنف السياسي باسم الدين! فهل يسمح قائ د هيئة تحرير الشام «هتش» السيد أحمد الشرع والبشير، هل يسمح للسوريين وقد تحرروا من «الأسدية» و»البعثية» و»الطائفية» بكسر حاجز الخوف لدى المتخوفين من خلفاء بشار حافظ الأسد (أبو حافظ) الرئيس الفار-حتى بلا خطاب تنحي أو تغريدة وداع- هل يسمحون لهم بالمطالبة بالتنديد مثلا بـ «القطبية» أو على الأقل مخالفة بعض مما ورد في تعاليم سيد قطب رحمه الله التي أضاعت الطريق، أم أن حكام «الشام» الفاتحين الجدد سيتعاقدون عبر سماسرة السلاح على شراء أسلحة أرض أرض وأرض جو فارط صوتية «هايبَرْ سُنِكْ» عصية على الكسر والخرق؟! سوريانا الحبيبة تستحق الأحسن والأفضل لا الأقل ضررا وضرارا..
كسر حاجز الصمت «الفرط صوتي»!* بشار جرار
7