عروبة الإخباري –
الغد –
في رحلة أدبية غنية بالتفاصيل، يغوص الكاتب والروائي رمضان الرواشدة في أعماق التراث الشفوي للجنوب الأردني، وتحديدًا في مناطق الكرك ومعان والشوبك. يستند الرواشدة في روايته إلى مخزون متراكم من الحكايا المروية شفويًا التي استمع إليها أو بحث عنها، ليعيد صياغتها بأسلوب روائي مبدع يستحضر حقبة تاريخية مجهولة لدى معظم الأردنيين.
تبدأ الرواية مع حملة إبراهيم باشا على الجنوب الأردني، وتنتهي باستقبال الأردنيين للمغفور له الأمير عبد الله. بين هذين الحدثين، تتناثر الحكايات الشفوية التي تمثل كنزًا غنيًا بالتفاصيل، لكنها للأسف بقيت غير موثقة أدبيًا بشكل كافٍ، خصوصًا فيما يتعلق بالفترة العثمانية في الأردن. الرواشدة، إذن، يتولى هذه المهمة الجليلة، فيحيي الهوية والأماكن والشخوص بأسلوب سردي مميز يربط القارئ بجذوره وتاريخه.
ورغم أن الرواية ليست عملًا تأريخيًا، إلا أن بعض أحداثها تتقاطع مع المروي الشفوي في الجنوب الأردني ومع وقائع تاريخية متفرقة. هذا المزج بين الموروث الشفوي والخيال الإبداعي منح الرواية خصوصية ودفئًا جعلها قريبة من القارئ ومؤثرة في وجدانه. إلا أنه نوه بأن هذه الرواية لا تؤرخ الأحداث، ولا تتناول التاريخ بطريقة متسلسلة، إلا أن بعض أحداثها تتقاطع مع المروي الشفوي في الجنوب الأردني.
أحداث الرواية تدور حول مرحلة انتقالية مهمة في منطقة الشوبك، وتحديدًا في قلعتها الشهيرة التي شهدت ثورة احتجاجًا على محاولة جنود الدولة العثمانية تسخير نساء الشوبك لنقل الماء للجنود. يروي الرواشدة حكايات القلعة وسكانها الذين حاربوا، وثاروا ضد الظلم، وواجهوا هجمات الطامعين بأرضهم. وحتى اليوم، تستمر الأجيال التي تنحدر من أولئك الآباء الأوائل في إعمار القرى ونقل إرثهم النضالي عبر الزمن، مما يعكس الروح الأصيلة التي شكلت ملامح الدولة الأردنية الحديثة.
برشاقة السرد وبراعة التوثيق، يقدم الرواشدة للقارئ العربي رواية تحمل مزيجًا متقنًا من الخيال الواعي والتاريخ الحي. إنها حكاية تستحق القراءة والتأمل، لأنها تمس كل منّا وتعيد تعريف علاقتنا بجذورنا الثقافية والاجتماعية. فـ»حكي القرايا» في المرويات الشفوية يظل دائمًا مختلفًا في دفئه وعمقه عن «حكي السرايا»، كما يشدد الكاتب في عمله المميز. فلا تقتصر أهمية هذه الرواية على السرد الإبداعي فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى توثيق جانب من التراث الشفوي الذي يشكل جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية الأردنية. فالمرويات الشفوية ليست مجرد قصص عابرة، بل هي ذاكرة جماعية تحفظ تفاصيل الحياة اليومية والنضال والصراعات التي شكّلت ملامح المجتمعات المحلية. عبر هذه الرواية، يقدم الرواشدة نموذجًا يُحتذى به للكتّاب الآخرين، مشجعًا على استثمار هذا الإرث الثقافي الثري في الأعمال الأدبية، ليبقى حاضراً في الأذهان ويُنقل للأجيال القادمة بأسلوب جذاب ومعاصر.