عروبة الإخباري – كتب : اشرف محمد حسن
لم تدخل الولايات المتحدة الامريكية الى منطقة الا وزرعت فيها ما يضمن عدم استقرارها فهي تتبع السياسة الاستعمارية “فرق تسد” بحيث تتحكم في مصير الشعوب والحكومات بحيث تبقيها ضمن سيطرتها وتنهب ثرواتها ومقدراتها وتستغل أمريكا أي فوضى لتمد يدها في داخل البلد او المنطقة اما بشكل عسكري مباشر او من خلال شكل انساني لتبدأ بعدها التحرك في اثارة الفتن والنعرات حتى يضطر احد الأطراف للاستنجاد بها لتعيث فساداً بعد ذلك وهذا اكثر ما يخيف او يثير القلق على الثورة السورية والتي نجحت في التخلص من نظام الأسد وقد رحبت دول عدة بسقوط نظام الأسد من بينها بريطانيا وكندا، كما رحب بذلك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والمفوضية الأوروبية، أما الولايات المتحدة ففي أول تعليق له على معارك سوريا، قال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إن سوريا “في حالة فوضى، لكنها ليست صديقتنا، ويجب ألا تكون للولايات المتحدة أي علاقة بها. هذا ليس صراعنا. دعوا الأمور تسير بطريقتها. لا تتورطوا!” الا ان الإدارة الامريكية دعت إلى محاسبة الأسد، كما قالت “إنها تجري اتصالات مع المعارضة لضمان سلامة قواتها في سوريا ومنع استفادة تنظيم الدولة الإسلامية” من الأوضاع الحالية ومن جهته استغلت الكيان الصهيوني الأوضاع الجارية في سوريا وقصفت 100 موقع في سوريا، كما احتلت منطقة جبل الشيخ المحاذية لهضبة الجولان، وقالت قناة عبرية إن الكيان الصهيوني سيواصل استهداف منشآت عسكرية بسوريا خشية وقوعها بيد المعارضة الامر الذي يؤكد حقيقة نوايا أمريكا في انتظارها لفرصة للتدخل في مجريات الاحداث داخل سوريا وهنا تكمن اكبر المخاطر التي قد تتهدد الثورة السورية بالرغم من نجاحها حتى الان في استيعاب جميع أطياف الشعب السوري..
فقد قال القائد بإدارة العمليات العسكرية في المعارضة السورية احمد الشرع الملقب بالجولاني إن “النصر الذي تحقق هو نصر لكل السوريين، وشدد على أن “الرئيس المخلوع بشار الأسد نشر الطائفية واليوم بلدنا لنا جميعا” كما اصدر الشرع اوامراً بتأمين كل المنشآت الحيوية وفرض الأمن في العاصمة وكان الشرع وجّه رسائل مصورة وبيانات عدة منذ بدء عملية “ردع العدوان” منها رسائل إلى قوات النظام السوري أن من أعلن انشقاقه وسلّم نفسه ووضع سلاحه فهو آمن وقد أكدت المعارضة السورية المسلحة مرارا في اليومين الماضيين حرصها على حماية جميع المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية في البلاد وقدمت رسائل طمأنة لمختلف أطياف الشعب السوري .
وفي خطوة تؤكد حقيقة النوايا في السعي الجاد للحفاظ على مقدرات ومؤسسات الدولة والشعب السوري وتطويرها الى دولة ديمقراطية حقيقية قال رئيس حكومة النظام السوري السابق محمد غازي الجلالي إنه مستعد للتعاون مع أي قيادة يختارها الشعب السوري، في حين أعلن قائد العمليات العسكرية بالمعارضة السورية أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) عن أن الجلالي سيشرف على المؤسسات العامة حتى تسليمها وهذا ما يشير الى ان سوريا القادمة ستشمل كل السوريين وقد أصدر الجولاني تعليمات مشددة لقواته في العاصمة دمشق وقال إن على فصائل المعارضة كافة في مدينة دمشق الامتناع بشكل نهائي عن الاقتراب من المؤسسات العامة، التي ستظل تحت إشراف رئيس الوزراء السابق حتى تسليمها رسميا، كما يُمنع إطلاق الرصاص في الهواء وحث المقاتلين على عدم التعرض بأذى لمن يلقون أسلحتهم وأكد على الالتزام بحقوق الأقليات الدينية والعرقية، مشيرا إلى أن تلك الطوائف تتعايش في هذه المنطقة منذ مئات السنين، ولا يحق لأحد القضاء عليها وأعرب الجولاني عن رغبته في خروج القوات الأجنبية من سوريا، وقال “أعتقد أنه بمجرد سقوط هذا النظام، سيتم حل المشكلة، ولن تكون هناك حاجة لبقاء أي قوات أجنبية في سوريا” .
وأضاف “سوريا تستحق نظام حكم مؤسسي، وليس نظاما يتخذ فيه حاكم واحد قرارات تعسفية”، مشيرا إلى أن أسرة الأسد حكمت سوريا منذ 53 عاما، ومن أجل الحفاظ على هذا الحكم، قتل النظام مئات الآلاف من الأشخاص، وسجن المنشقّين، وشرد الملايين بوحشية في الداخل والخارج وتابع الجولاني “نحن نتحدث عن مشروع أكبر، نتحدث عن بناء سوريا وهيئة تحريرالشام مجرد جزء من هذا الحوار، وقد تتفكك في أي وقت، إنها ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لأداء مهمة، هي مواجهة هذا النظام وقال ضابط في الجيش النظامي السوري لرويترز إن قيادة الجيش أبلغت الضباط بأن حكم الرئيس بشار الأسد انتهى وفي وقت سابق، قال ضابطان كبيران في الجيش السوري لرويترز إن الأسد غادر دمشق على متن طائرة إلى وجهة غير معلومة اليوم الأحد، في حين أعلنت قوات المعارضة دخولها العاصمة دون وجود أي مؤشر على انتشار الجيش .
في مقال لصحيفة لوفيغارو الفرنسية قالت إن الهجوم الخاطف الذي توج بالإطاحة بالأسد لم يستغرق سوى 12 يوما ولم يتوقع أحد “هذا التسارع في التاريخ” ويتعين علينا، تقول الصحيفة، أن نأمل أن تجتمع جماعات المعارضة المختلفة لحكم سوريا المتعددة الأديان، وألا تشبه سوريا ما بعد الأسد عراق ما بعد صدام حسين، في إشارة إلى الأحداث المأساوية التي شهدها العراق بعد إسقاط الأميركيين لرئيسه عام 2003 م .
وهنا علينا الإشارة الى ان الامر مختلف حتى الان على الأقل فمن قام بالاطاحة بنظام الأسد جميعهم سوريين وأصحاب قضية أي ( بدون تدخل امريكي) الامر الذي يفسر ما شهدناه حتى الان من تسامح ووحدة بين افراد الشعب السوري بمختلف اطيافه وما حدث في العراق عام 2003 م على عكس ذلك تماماً اذ دخل من نهب وحرق مؤسسات الدولة بصحبة القوات الامريكية والبريطانية آنذاك اذ عمّت حالة من الفوضى الأمنية ومظاهر من السلب والنهب للممتلكات الحكومية والخاصة في بغداد والموصل والبصرة وغيرها .
تم تدمير العراق بالغزو الامريكي البريطاني ثم بإستيلاء قوى اخرى على مراكز القوة والنفوذ فيه، وحل جهاز الدولة والجيش العراقي الوطني، بل وحظر حزب البعث في العراق بالكامل وتم تفكيك العراق بالكامل فقد عمدت أمريكا على تدمير البنى التحتية، وما رافق الغزو من عمليات سلب ونهب وحرق طال أغلب الوزارات والمؤسسات الحكومية، إضافة إلى نهب المتاحف وبعد أن تأكد للعيان أن القوات الأميركية والبريطانية لا تحرك ساكنا بل ربما “تبارك” هذه الأعمال توسعت دائرة الفوضى الأمنية هذه ليدخل فيها عصابات منظمة تحمل معها أسلحة وعربات فلم يتوقف عملها على الأبنية الحكومية فقط وإنما امتدت إلى الممتلكات الخاصة أيضا. وهنا بدأت دلالات المشهد تختلف لتتخذ الصورة أبعادا أخرى ربما كان بعض مغزاها رغبة من القوات الأميركية والبريطانية بإشاعة صورة ذهنية عن الشعب العراقي مؤداها أنه شعب غير كفؤ لأن يحكم نفسه بنفسه ويترتب على ذلك نتيجة منطقية وهي حاجة هذا الشعب إلى من “ينوب” عنه في إدارة وتنظيم شؤون حياته اليومية وبالتالي تشكيل مجتمعه بما يتناسب مع إرادة الغرب وتعمدت أمريكا بناء نظام سياسي يعتمد على المحاصصة الطائفية لبث روح العداء والتفرقة بين أبناء الشعب العراقى
صور الفوضى وما رافقها من مظاهر سلب ونهب لا تخلوا أيضا من بعض التفصيلات ايضاً التي تؤكد ان اعمال الشغب والتدمير كانت بمخطط وبشكل واضح. فقد أردات القوات الأميركية والبريطانية تشجيع هذه الأعمال أن تلهي الشعب العراقي، وشغله لفترة طويلة بالبحث عن الأمن أولا ثم عن لقمة العيش التي تنقذه من جوع محقق ثانيا ثم بإغراقه في عمليات انتقام وثأر ثالثا ورابعا ليتحقق قانون الاحتلال القديم الجديد “فرق تسد” والتي تضمن للاحتلال الأمريطاني أي (الأمريكي البريطاني) تحقيق ما يريده من حالة عدم الاستقرار وضمان نفوذه في الدولة بحيث يظهر بصورة بصورة معاكسة لحقيقته وهي الضامن لاستقرار الدولة العراقية أي انه زرع العديد من الفتن والنعرات بين أبناء العراق الواحد .
فبعد غزو العراق في عام 2003 ومنذ البداية أصدر الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر مع القوى السياسية آنذاك، قراراً بتشكيل لجنة “اجتثاث البعث” التي تَغيَّر اسمها في ما بعد إلى “هيئة المساءلة والعدالة” وكأنهم ليسوا من أبناء الشعب العراقي وقد أُنشئت الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث بقانون صدر بتاريخ 16 أبريل/نيسان من نفس العام، لاجتثاث هيكل حزب البعث في العراق وفصل قياداته من مواقع السلطة. وكانت وظيفتها تقوم على توفير معلومات تكشف عن هوية الشخصيات المنتمية إلى حزب البعث من ذوي درجات عضوية محددة (عضو فرقة فما فوق) ليُفصَلوا من مرافق الدولة ومناصبها الرفيعة ووفقاً لذلك، حُلّ الجيش وطُرد كل من يُعتقد أنه كان عضواً في حزب البعث من الوظائف الحكومية. واستمر وجود هذه الهيئة بعد إقرار الدستور الدائم الذي نصّ في الفصل الثاني منه، الأحكام الانتقالية، في المادة 135، على مواصلة “الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث” أعمالها بوصفها هيئة مستقلة، ولضمان حماية هذه الهيئة وقانونها اشترط حلها في البرلمان بأغلبية مطلقة .
فكما اشرت في البداية فالولايات المتحدة الامريكية الى منطقة الا وزرعت فيها ما يضمن عدم استقرارها فهي تتبع السياسة الاستعمارية “فرق تسد” وهي حالياً تتربص لايجاد الفرصة المناسبة لتمد يدها لتضمن عدم التوصل الى استقرار في دولة سورية لكافة أبنائها فهم من لا امان.. ولا عهد لهم..!
لا عهد لهم.. تربص لاقتناص الفرصة..!
23