من التساؤلات المتداولة ذلك السؤال المتعلق بهوية النظام الوريث في سورية، وقدرة الأردن على التفاهم معه، خصوصا، بعد تراكمات السنوات الماضية مع النظام الراحل، وما يعنيه ذلك.
بالطبع من المبكر جدا الحكم على شكل العلاقة، لان سورية الجديدة قيد التشكل، وتواجه تحديات مختلفة، من ابرزها الملف الامني، والاستقرار، ووجود قوى عاملة في سورية من الروس والاميركيين، واحتلال اسرائيل لمناطق جديدة في سورية، ومصالح الاتراك والايرانيين، والتعارضات والتقاطعات هنا، وما يتعلق بوحدة سورية، والقدرة على تجنب سيناريو التقسيم، في ظل ملف الاكراد تحديدا، واحتمالات الاختلاف بين الجماعات المسلحة ذاتها، ومنسوب التوافقات بين الاطراف السياسية، وبقية المشاريع المعروفة والتي تهدد سورية بعد سقوط النظام.
يضاف الى ماسبق التحديات داخل سورية ذاتها على صعيد الوضع الاقتصادي، والصراعات، وتصفية الحسابات، والمحاكمات التي لا يمكن تجاوزها بحق الذين قتلوا او هتكوا الاعراض، ومارسوا التعذيب، واعمال الغضب التي قد نراها من ضحايا النظام السابق، او محاولات انصار النظام السابق اشعال حرائق هنا وهناك، لإثبات ان سورية بدون الاسد لا تستمر يوما، ومع هذا ملف المخدرات والذي يؤثر على الأردن، وما يرتبط بوجود جماعات متشددة مثل داعش، واحتمال نشوء جماعات جديدة، وسط معلومات عن احتمال نشوء جماعات ستتدفق ايضا الى العراق، في مرحلة جديدة من مخطط اخلاء المنطقة من النفوذ الايراني، وبدء مرحلة العراق، المجاورة لسورية، بما يعنيه ذلك من مهددات امنية وسياسية واقتصادية.
هذا يعني ان الأردن سيكون بانتظار كثير من التفاصيل المتعلقة بالمشهد السوري، وهو معني هنا بوجود دولة مستقرة لاعتباراته، ونظام توافقي معترف به داخل سورية، وخارج سورية، اضافة الى عدم وجود اخطار امنية، ومعالجة ملفات مثل المخدرات وتهريب السلاح الذي كان يجري عبر الحدود بحماية جيش النظام السابق، بما ينعكس ايضا على عودة الاشقاء السوريين من الأردن الى سورية، وهم ايضا في حالة ترقب، قد تستمر حتى الصيف المقبل لما سيجري.
سورية امام تحديات ليست سهلة، ليس لان النظام الراحل كان ملائكيا وطيبا، بل لان سورية بعد سقوط النظام امام امتحانات تبدأ بالسيطرة الامنية الداخلية وتصل الى ملف رفع العقوبات واعادة الاعمار، اضافة الى وجود عشرات اللاعبين الذين سيحاولون فرض ارادتهم على السوريين بما سيؤدي الى نشوب صراعات سنراها قريبا، ومعهم الذين خسروا بسقوط النظام وقدرتهم على التسكين وعدم محاولة بث الاضطراب او الفوضى في سورية من باب الانتقام.
نبدو كمن يفاضل بين نظام راحل دموي رأيناه يحول دمشق الى مدينة من طابقين، حيث اسفل المدينة كل هذه السجون، وبين مرحلة ما بعد الاسد بكل ما فيها من تحديات، وواقع الحال ليس هكذا، فالنظام ظلم السوريين، لكن القلق يتمحور حول المرحلة التي ستلي سقوط النظام، وقدرة السوريين ومؤسساتهم على ترتيب اوراقهم، بوجود كل هذه الدول والاجهزة الامنية في سورية.
للأردن علاقاته مع كثير من رموز المعارضة السورية، والاسماء المطروحة لحكم سورية، ولديه علاقاته التي تأسست في فترة الربيع العربي وما تلاها، على المستوى الامني والعشائري وبالذات في مناطق جنوب سورية، لكن كل هذا لا يكفي لاننا امام معادلة مختلفة سيجد الأردن نفسه مضطرا للتعامل معها، من خلال عناوين التوافق السوري الداخلي ونشوء دولة مستقرة بنظام معترف به، دون اشكالات الصراعات الداخلية او التقسيم واحتمال نشوء دويلات قرب الأردن، وما يتعلق بالاعتراف الدولي بالنظام الوريث والمساحات التي سيتم منحها له.
الحسابات الاستراتيجية في الأردن لاتتغافل اولا واخيرا عن المشروع الاسرائيلي ضد الأردن من خلال ملف الضفة الغربية، خصوصا مع قدوم ترامب، وتمدد الاسرائيليين الحالي دون اي ازعاج او مشاغلات من جانب المعسكر الايراني في المنطقة بعد الذي جرى في لبنان وسورية، وكلفة الحرب في غزة، وما هو متوقع في العراق.
هذا يعني استراتيجيا ان سقوط القوى المناوئة لاسرائيل في بلاد الشام يضر بالأردن، ويخدم اسرائيل ويقدم لها المنطقة على طبق من ذهب لتفعل ما تشاء دون معارضات، ويكشف ظهر المنطقة كليا، حتى لو لم يكن الأردن محسوبا على المعسكر الايراني وتوابعه في الاساس.