عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب –
في الكتاب الذي ألفه عارف العارف الشخصية المثقفة التي عملت مع شركة الكهرباء الفلسطينية ومع حكومة الانتداب البريطاني، وكان قائم مقام بئر السبع، وكتابه حمل اسم “تاريخ بئر السبع وقبائلها” استوقفني ذكر اسم قبلية “بلى” التي ينتسب اليها “البلوي” وهي قبيلة ممتدة ابتداء من الجزيرة العربية وخاصة منطقة الشمال الغربي من الحجاز والجزيرة العربية وفي فلسطين والأردن والعراق وسوريا والإمارات، ومنهم من وصل الأندلس، واقام فيها ابان فتحها وما بعده.
وهناك العديد من رجالات بلى كانت من الصحابة، وقد وردت اسماء ما يزيد عن تسعين اسماُ ومن النساء أكثر من 15إمرأة في كتاب
(النجم العلي في الصحابة من بلى) وغيره من المراجع مثل “عيون الأثر لأبي سعيد اليعمري الأندلسي، وهو مؤرخ اشبيلي وله عدة كتب أخرى.
هذه القبيلة الممتدة ما قبل الاسلام الى اليوم، اتخذت شعارها السيف الممتد على بيرقها الذي كانت ترفعه، وقد ذكرها الرسول في احاديثه،
كان بودي لو طال بنا الحديث لأسأل مستشار جلالة الملك لشؤون العشائر كنيعان عطا البلوي، عن العشيرة ا
كنت تعرفت قبل سنوات على رجل اهداني كتاب عارف العارف، وكان الرجل من بئر السبع ومن عشيرة الحبانين التي ترد في جذورها الى قبيلة بلي.
عدت الى كتاب عارف العارف، وهو مرجع ممتاز ومميز عن عشائر بئر السبع وزعمائها وعن امتداد أهلها بعد نكبة عام 1948، في الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية وغيرها، ففي الأردن وحده من عشائر بئر السبع ما يقارب المليون نسمة ولهم تمثيل في البرلمان وفي الأعيان والدولة كمواطنين أردنيين وأخلصوا للعرش وقدموا ولائهم للدولة الأردنية.
الوقت لم يسعفني للسؤال رغم أني استمعت للمستشار وهو يقدم أفكاراً ممتازة في التواصل الوطني وقد كلّفه جلالة الملك بمهام أساسية في هذا المجال منذ أكثر من عام، حيث عين في عام (2023) في موقع مستشار لجلالة الملك لشؤون العشائر برتبة وزير بعد أن تقاعد من القوات المسلحة الأردنية برتبة لواء ركن، وقد تدرب في اسرته ومع والده على شؤون العشائر ومستوجباتها وعلى فض النشب وتقريب الخصوم وفض المنازعات، وقد شرح لي كيف أن ملفات عالقة وقائمة قد تصدى لها وفريقه معه لفتحها وتصفية خلافاتها بلغت أكثر من اربعمائة ملف.
ولا يدعي معالي المستشار أنه قد أكتشف العجلة أو ان الذين سبقوه لم يفعلوا شيئاً، بل أنه اثنى على أعمالهم ، وقال أنه بنى علي المداميك التي أنجزت وانه تعلم الكثير قبل أن يستعمل مفاتيح الحلّ والربط والعقد، وان يرى الجهود تثمر وتزهر، وانه سار بتوجيه ونفس ملكي ساعده في حل الكثير من المشاكل التي إستعان فيها بمن يفهمون في هذا السياق ومن يدركون قيمة الناس وتدرك الناس قيمتهم،
يرى كنيعان البلوي أن مهمة المصالحة والتواصل الوطني مهمة سامية مشرفة لانها سعي بالصلح وحفاظاً على الأمن والسلم المجتمعي، الذي هو غاية كل حاكم عادل.
كان الشيخ كنيعان الذي عمل ملحقاً عسكرياً في السعودية، ورث تقاليد عديدة ومعرفة غزيرة عن والده الشيخ عطا بن كنيعان قبل أن يتوفاه الله عام 2008، يرى أن علم معرفة العشائر وقضائها وعاداتها وتقاليدها علم قائم، ربما في الصدور أكثر منه على الورق وللعديد من الشخصيات مساهمات في ذلك، فمثلا الشيخ برجس الحديد له علم بالممارسسة في حين أن الدكتور محمد أبو حسان له علم بالتأليف في ذلك، إذ وضع العديد من الكتب للمكتبة العربية لم يسبقه أحداً بمثلها وأصبحت مرجعية اعتمدتها حتى الجامعات الأجنبية في معرفة العشائر وادوارها وما لعبته في التاريخ العربي القديم والمعاصر والى اليوم.
كنت استمع اليه كأنه المهندس في سلاح الهندسة الذي يفكك القنابل في حقل الألغام بدل أن يفجرها، ليسلم الجميع، فالصراعات المخفية الكامنة خطر لا يدركه الاّ العقلاء والحكماء، كقوله تعالى، “ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً”.
تذكرت في تاريخ الأدب الجاهلي ، الذي كنا ندرسه في الجامعة الأردنية على يد دكاترة متخصصين، منهم، الدكتور ناصر الدين الأسد، صاحب الكتاب الأشهر بالشعر الجاهلي ومصادره التاريحية وما كتبه عن الشاعر زهير أبي سلمى صاحب الحكمة في الشعر وصاحب الأبيات في قيم السلم وكراهية الحرب، إذ سبق الشرائع الأوروبية بأكثر من ألف سنة، حين كتب عن فضائل السلم وبشاعة الحرب، شعراً في معلقته الشهيرة وقد توقف ليمدح شخصين عظيمين أوقفا حرب داحس والغبراء، بين قبيلتي عبس وذيبان، وحقن الدماء وهما الهرم بن سنان والحارث بن عوف حين قال:
تَدارَكتُما عَبساً وَذُبيانَ بَعدَما
تَفانوا وَدَقّوا بَينَهُم عِطرَ مَنشِمِ
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
كان كنيعان يتحدث وكنت انصت اليه وأتخيل مهمات الزعيمين الممدوحين في معلقة زهير واللذين ما زال اسماهما خالدين في صفحة صنع السلام في مجتمع عربي كان متصارعاً.
أضيف الآن لهذين الأسمين اسم علم هو “كنيعان البلوي” الذي أبلى وما زال يبلي الجهد والوقت من التواصل الوطني وقد نجحت برامجه وما زال الكثير مما يرسم التوجه الملكي.
كنت افكر في إنصاف كنيعان لمن سبقوه ممن مشوا على نفس الطريق منهم رئيس الديوان الملكي معالي يوسف العيسوي الذي شق طريقاً واسعة في التواصل الاجتماعي وما زال وقد نجح
كنيعان رجل ودود متواضع لبق جعل بابه مفتوحاً وهو يحمل رسالة ملكية مستمرة يبلغها كرسول أمين
ويعتبر ان المواطنين الأردنيين جميعاً ابناء عشائر، يحمل رسايلهم الى الملك لتبقى الطريق سالكة ما بين الملك وشعبه، وهي المهمة النبيلة التي يعمل عليها الكثيرون ونموذجهم البلوي.
الساعة التي أمضيتها في ضيافة مستشار العشائر كنت اتمنى أن تمتد، وقد تعلمت الكثير من أساليب التواصل التي قد لا تدرس في الجامعات او التي قد تبحث تحت عناوين أخرى في علم الاجتماع والتواصل.
تركت الجلسة على امل أن تتجدد وأن يكون لي نصيب في حضور التمرين في التواصل في الميدان بعيداً عن التنظير، حيث تسود المودة وتزرع المحبة واشجار التواصل المثمرة