عروبة الإخباري –
الدستور –
مع الانتشار الواسع للإنترنت، الذي تجاوز عدد مستخدميه عالميًا 5.3 مليار شخص، وتحوله إلى ضرورة يومية وليس مجرد رفاهية، ظهرت معه تحديات خطيرة، أبرزها العنف الإلكتروني، لا سيما ضد المرأة والفتاة. هذا العنف يتفاقم بفعل الثورة التكنولوجية المستمرة التي ميزت عصرنا، مما أدى إلى فجوة في الفهم والاستجابة، وتأخر في حماية الضحايا أو تحقيق العدالة لهم.
العنف ضد المرأة بجميع أشكاله تصدّر قائمة انتهاكات حقوق الإنسان وفقًا للمنظمات الدولية. هذه الانتهاكات تشمل ظواهر متعددة مثل التهجير القسري، وخطف الأطفال والاتجار بهم، إضافة إلى مشكلات بيئية خطيرة مثل تلوث المياه وتراكم النفايات. جميعها تعكس حاجة ماسة إلى استجابات فعالة وسريعة لمواجهة التحديات المستجدة في عصر التكنولوجيا.
كشفت دراسة حديثة لمنظمة العفو الدولية عن التأثير المقلق للإساءات والمضايقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي على النساء، حيث أفادت العديد منهن بأنهن يعانين من توتر، قلق، أو حتى نوبات هلع نتيجة لهذه التجارب المؤذية عبر الإنترنت. الدراسة، التي أجرتها المنظمة بالتعاون مع شركة Ipsos MORI، شملت نساء تتراوح أعمارهن بين 18 و55 عامًا من ثماني دول، منها الدنمارك وإيطاليا والسويد والولايات المتحدة. وأظهرت النتائج أن ما يقرب من ربع النساء (23%) أبلغن عن تعرضهن للإساءة أو التحرش عبر الإنترنت أكثر من مرة، فيما صرحت 41% منهن بأن هذه التجارب جعلتهن يشعرن بتهديد لسلامتهن الجسدية.
أما في الأردن، فقد كشفت دراسة أطلقتها اللجنة الوطنية لشؤون المرأة عام 2022 أن العنف الإلكتروني يُعد من أكثر أشكال العنف شيوعًا. حيث أفادت 63.1% من المستجيبات بتعرضهن لعنف سيبراني وتنمر إلكتروني، ليحتل المرتبة الثالثة بعد العنف النفسي والمعنوي (90.4%) والإيذاء اللفظي (69.2%).
العنف، بتعريفه العام، هو تعمد إيذاء الآخرين، سواء كان جسديًا، لفظيًا، اجتماعيًا، أو اقتصاديًا. أما العنف الإلكتروني ضد المرأة، فهو شكل حديث من أشكال العنف يعتمد على المنصات الرقمية كوسيط للإيذاء. هذا النوع من العنف لا يقتصر على الأذى المباشر، بل يترك آثارًا نفسية عميقة تؤثر على المجتمع بأسره، وتنعكس بشكل خاص على الأسرة.
مع التزايد المستمر في الاعتماد على التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت النساء أكثر عرضة للعنف الإلكتروني، حيث يستغل المعتدون هذه المنصات لمحاولة السيطرة على المرأة أو استضعافها. وقد أظهرت التقارير أن منصات مثل فيسبوك وتيك توك تتصدر قائمة المنصات التي تشهد أعلى معدلات للعنف ضد المرأة والفتيات، يليها إنستجرام، إكس (تويتر سابقًا)، ويوتيوب. هذه المعطيات تؤكد الحاجة إلى تدخلات فعالة لمكافحة هذه الظاهرة وحماية النساء في الفضاء الرقمي.
العنف الإلكتروني يتميز بتعدد أشكاله، من التهديد والتشهير، إلى انتهاك الخصوصية والابتزاز. وعلى الرغم من أنه قد يبدو غير مرئي، إلا أن آثاره النفسية عميقة وطويلة الأمد. فالضحية غالبًا ما تبدأ بالشعور بالغضب، يليه القلق والخوف المستمر، خصوصًا في ظل صعوبة التعرف على هوية المعتدي أو القدرة على إيقافه.
هذه الضغوط النفسية يمكن أن تقود الضحية إلى الاكتئاب والعزلة الاجتماعية، مع فقدان القدرة على التركيز والتفكير بوضوح. وفي الحالات الأكثر خطورة، قد تصل الأمور إلى الانتحار، خاصة إذا لم تتلقى الضحية الدعم المناسب، في الوقت المناسب. هذا يبرز أهمية التدخل السريع وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدة الضحايا على تجاوز هذه التجارب القاسية.
مواجهة آثار العنف الإلكتروني تتطلب استجابة شاملة تشمل الدعم النفسي والاجتماعي. فالاستشارات النفسية تلعب دورًا محوريًا في مساعدة النساء على تجاوز الصدمات واستعادة ثقتهن بأنفسهن، بينما تساهم حملات التوعية الرقمية في تعزيز أمنهن الإلكتروني والحد من تعرضهن لمثل هذه الاعتداءات. كما أن الدعم المجتمعي يشكل عنصرًا أساسيًا، إذ يساهم في توفير بيئة داعمة تُخفف من شعور الضحايا باللوم أو العار، وتعيد لهن الشعور بالأمان.
في الأردن، نفتخر بأننا دولة قانون تحقق تقدمًا ملحوظًا في مختلف المجالات، لا سيما في مجال حقوق الإنسان. ويأتي الاهتمام الملكي من جلالة الملك عبدالله الثاني، حفظه الله، تأكيدًا على أهمية دور المرأة كشريك رئيسي في بناء المجتمع الأردني، من خلال تمكينها اقتصاديًا وسياسيًا. كما تحرص جلالة الملكة رانيا العبدالله، حفظها الله، على التأكيد المستمر بأن المرأة هي صمام أمان المجتمع، ومربية الأجيال التي تصوغ مستقبل الوطن.
هذا الاهتمام يعزز وعينا كأفراد ومجتمع بأن العنف الإلكتروني، وخاصة ضد المرأة والفتاة، ليس مجرد قضية تقنية، بل هو تحدٍّ إنساني يتطلب تضامنًا واسعًا وجهودًا جماعية لمواجهته وحماية ضحاياه.