سيصبر السوريون في الأردن، ولن يعودوا فورا بالطريقة التي يتخيلها البعض، لكن خيار العودة بات واردا جدا، وهذا الأمر ستقرره جملة عوامل بين السوريين ذاتهم، في كل مغترباتهم.
سينتظر السوريون استقرار الوضع الأمني في سورية، إذ على الرغم من حديث النظام الجديد عن “الفتح بلا ثأر” إلا أن الواقع قد يؤدي إلى وضع مختلف، خصوصا، أن الثارات النائمة بين السوريين خصوصا في المناطق ذات السمة العشائرية مثلل درعا ودير الزور ستصحو الآن مع وجود أعمال على صلة بالتشريد والتعذيب والقتل وهتك العرض وسرقة المال وغير ذلك.
هذا يعني أن هناك استحالة الا تحدث أعمال ثأر لقتل الأمنيين والعسكريين، أو حتى النيل من أشخاص على صلة بالنظام السابق من أعوان ومناصرين وغيرهم، وإذا كنا ما زلنا في البداية فإن البيئة الأمنية لن تستقر سريعا، خصوصا، مع حاجة النظام الجديد إلى مؤسسة أمنية وعسكرية بديلة، تديم الأمن في سورية، فيما المؤسسة المتوفرة حاليا ستكون قيد الحساب، وبناء مؤسسة بديلة يحتاج الى سنوات طويلة، على افتراض عدم حدوث عراقيل.
هذا يعني أن البيئة لن تكون مستقرة تماما، وسنشهد أيضا محاسبات في سورية، حيث إن شعار “الفتح بلا ثأر” عاطفي ومستحيل، فهناك حقوق لملايين السوريين الذين تشردوا أو تم تعذيبهم وجميعهم سيطالبون الدولة الجديدة بمحاسبة من تسبب لهم بالاذى، خصوصا في قضايا القتل أو العرض، والازمة هنا تمكن في كون النظام الجديد سيرث مؤسسة حكومية وامنية وعسكرية محسوبة على حزب البعث، وكانت مسخرة للنظام بما يعني أن استبدال المؤسسة لن يتم بسهولة، مثلما أن علينا أن نتوقع ان يحاول كثيرون من جماعة الاسد اثبات ان ما بعد الاسد اسوأ من زمن الاسد، وهو امر شهدناه في تجربة القذافي، حيث نشأت تنظيمات مغايرة للنظام الجديد، وغذت دول وعواصم اقليمية ودولية الاقتتال الداخلي، بهدف التقسيم أو التخريب أو جعل أي شعب يدفع الثمن لمجرد انه فكر أن يثور ضد الظلم كما في النموذج السوري.
ما سبق من الأسباب التي ستجعل السوري في الأردن يصبر قليلا، فهو يدرك أن سورية لن تهدأ بالسرعة المتوقعة، وسيفضل كثيرون الانتظار، خصوصا العائلات التي لديها ابناء في المدارس في الأردن والعام الدراسي في منتصفه، وتشتبك اقتصاديا واجتماعيا بالحياة في الأردن بشكل آمن، ومما سيؤخر عودة السوريين ما أعلنته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين -الاونروا حيث أشارت إلى أنها لا تشجع ولا تسهل عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم في الوقت الحالي، وأن الأوضاع الحالية في سورية غير مناسبة لعودتهم الآمنة، مع تأكيد المفوضية ان ما يُقال عن تقليص أو قطع المساعدات بهدف إجبار اللاجئين على العودة إلى بلدهم غير صحيح، والكل يعرف أن أكثر من 600 ألف شقيق سوري مسجلين لدى المفوضية، وهذا كان يعني انتظارهم للهجرة إلى بلد ثالث، بلاد من العودة إلى سورية، أو البقاء في الأردن، وهذا أمر سيطرأ عليه تغيير إذا استقرت سورية الجديدة، بما يعني أننا نحتاج حتى الصيف المقبل لنقرأ خريطة العودة إلى سورية، من الأردن، أو من دول عربية وأجنبية.
إذا فتح الأردن حدوده بشكل طبيعي مع سورية سنشهد عودة الآلاف من السوريين خصوصا من الشباب وليس العائلات، من أولئك الذين كانوا مطلوبين لخدمة العلم، وبالذات إذا أوقف النظام الجديد ملاحقتهم على خدمة العلم، كما أن كثرة ستعود من أجل الاستشكاف أو تفقد الممتلكات أو زيارة الأهل، لكن العودة الجماعية لأكثر من مليون وربع مليون سوري، لن تتم بهذه البساطة خصوصا، مع إدراك السوري أن مرحلة ما بعد نظام الأسد قد تكون غامضة.
عودة الأمن هي المعيار الوحيد لعودة السوريين، أو عدم عودتهم.