لا شك أن بعض الخطابات التي ألقاها السادة النواب في مناقشات الثقة اكتسبت أهمية بالغة، وتضمنت ركائز إصلاحية مهمة، ونصائح جديرة بالاهتمام من الحكومة.
لكن من المؤسف ما وصلت إليه خطابات الأغلبية من النواب، وتكريس حالة المصلحة الخاصة، والبعيدة كل البعد عن الفهم الحقيقي للواقع الحالي، وتوجيه رسائل مبطنة للحكومة بأننا لن نقف مكتوفي الأيدي تجاه أي سلوك أو إجراءات حكومية لا تخدمنا بشكل مباشر.
الحكومة أمام اختبار صعب اليوم لتعزيز مصداقيتها باتجاه إنجاز مفهوم دولة القانون والعدالة بين فئات المجتمع، ومواجهة تسلل النواب لجسم الدولة التنفيذي، حيث نسي بعضهم، ومن خلال كلماتهم، أنه نائب وطن مناط به سلطة الرقابة والتشريع، ليتحول إلى معقب معاملات في الدوائر الرسمية مع كل أسف.
ثلاثة أشكال للسلوك النيابي يجب أن يحرص مجلس النواب على تهذيبها وإعادة هيبة مجلس النواب لوضعها الطبيعي بين المؤسسات الدستورية، وإرجاع الثقة بها من قبل المواطنين.
أول هذه السلوكيات المطالب النيابية الضيقة، التي للأسف صغرت “أكتاف النواب” في المجتمع، فالطلبات الخدمية بات بعض النواب يتحول للمتاجرة بها في بعض الأحيان، كما حصل في الإعفاءات الطبية والمعالجات.
الأمر الآخر متعلق بطلبات التعيين والتنقلات التي دائما ما تتصدر السلوك النيابي في تعاملاتهم مع السادة الوزراء، وهذا أمر خطير جدا من نواحٍ عدة، أهمها الضرر المالي الكبير المترتب على تلك التعيينات العشوائية، إضافة إلى أنها دائما ما تشكل اختراقا للقانون وتعتريها شبهات الفساد، ناهيك عن تدمير مبطن لجهاز الدولة الإداري.
الأمر الثالث هو تأطير علاقة الوزراء ومديري المؤسسات الحكومية مع النواب ضمن علاقة مؤسسية باتجاه تحقيق المصلحة العامة، وتعزيز الدور الرقابي والتشريعي للنواب، بهدف الابتعاد عن حالات شبهات الابتزاز التي تمارس بأشكال مختلفة من بعض السادة.
أخيرا، مسألة في غاية الأهمية ظهرت في نقاشات النواب الأخيرة، وهي العلاقة فيما بينهم، وتعليق رئيس محلي النواب على كلمة أحد النواب بأن “سيارتك أفضل من سيارة الرئيس والوزراء”، علما أن النائب المقصود هو ابن القطاع الخاص ومن أهم رجال الأعمال في المملكة، وأمر طبيعي أن تكون لديه سيارة فخمة.
لكن الأمر غير الطبيعي هو أن هناك نوابا لا يملكون أعمالا واضحة، ولا مهنا، ولا شركات، ومع ذلك تراهم يركبون أفخم السيارات ويقطنون أجمل البيوت في أرقى المناطق.
هذا الأمر يجب أن يتم توضيحه بتعزيز مسألة إشهار الذمة وتطبيقها فعليا على أعضاء السلطة التشريعية، التي بات بعض مظاهر البذخ في سلوك أعضائها يثير شبهات حقيقية لدى الشارع، خاصة أولئك الذين لا أعمال واضحة لهم، إلا إذا كانوا من فئة “معقبي المعاملات”.
والله من وراء القصد.