تسعى أندية كرة القدم الكبرى في أوروبا إلى تطوير ملاعبها لتصبح مراكز ترفيهية متعددة الاستخدامات، وذلك بهدف تنويع مصادر الدخل وتعزيز مكانتها كوجهات سياحية جاذبة.
وتشهد هذه الأندية في إسبانيا وإنجلترا وإيطاليا وفرنسا مشاريع ضخمة لتحويل ملاعبها إلى مراكز حيوية تجذب الجماهير والسياح على مدار العام، وليس فقط خلال أيام المباريات.
تحوّل الملاعب إلى وجهات ترفيهية
يمثل مشروع تجديد ملعب سانتياجو برنابيو لريال مدريد نموذجًا متقدمًا لهذا التحول، فبعد أربع سنوات من العمل المكثف، سيظهر الملعب هذا العام بوجه جديد كليًا ليصبح وجهة متعددة الاستخدامات.
ومن أبرز هذه التجديدات سقف قابل للطي يغلق في غضون دقائق معدودة لحماية الجمهور خلال الحفلات الموسيقية، حيث من المقرر أن يحتضن الملعب حفلة عالمية لتايلور سويفت في مايو المقبل.
أما أبرز ما يميز هذا المشروع فهو نظام مبتكر يتيح تحويل الملعب إلى ستة أقسام تخزن تحت الأرض في غضون ساعات قليلة، مع الحفاظ على العشب في أفضل حالاته، مما يسمح باستضافة مختلف الفعاليات دون التأثير على أرضية الملعب.
ويضم هذا المشروع الضخم، الذي بلغت تكلفته 1.2 مليار يورو، مطاعم فسيحة تستوعب آلاف الزوار، وممشى علوياً يطل على المدينة، ومتحفًا موسعًا يهدف إلى استقبال مليوني زائر سنويًا، مما يدر على النادي إيرادات تقدر بـ 50 مليون يورو سنويًا.
سباق أوروبي لتحديث الملاعب: استثمارات ضخمة ومنافسة محتدمة
مع تزايد الضغوط على الأندية الأوروبية الكبرى نتيجة تراجع عائدات الإعلانات، تسعى هذه الأندية إلى تنويع مصادر دخلها من خلال تحويل ملاعبها إلى مجمعات ترفيهية متكاملة.
وقد تجسد هذا التوجه في صفقة نادي برشلونة التي بلغت قيمتها 1.5 مليار يورو لتجديد ملعب كامب نو، كما أعلنت أندية باريس سان جيرمان وتشيلسي ومانشستر يونايتد عن خطط مماثلة لتحديث أو استبدال ملاعبها التاريخية.
توتنهام: النموذج الذهبي في تحويل الملاعب إلى وجهات ربحية
يُعد ملعب توتنهام هوتسبير في شمال لندن، الذي افتُتح عام 2019 بتكلفة مليار جنيه إسترليني، نموذجًا يحتذى به في تحويل الملاعب إلى مصادر دخل متنوعة.
أنفق المشجع العادي قبل التجديد، أقل من 2 جنيه إسترليني في يوم المباراة، أما الآن فقد ارتفع هذا الرقم إلى 16 جنيهًا، بفضل المرافق الجديدة.
استضاف الملعب الذي زادت سعته من 36 ألفًا إلى 62 ألف مشجع، حفلات موسيقية ضخمة ومباريات كرة القدم الأمريكية والملاكمة، ما أدى إلى ارتفاع الإيرادات من 117 مليون يورو في 2018 إلى 215 مليون يورو في 2022.
ميلانو وبرشلونة في سباق مع الزمن استعدادًا لكأس العالم 2030
تشهد الساحة الرياضية في إيطاليا تحولات كبيرة، حيث يسعى كل من نادييْ إنتر ميلان وميلان إلى تطوير بنيتهما التحتية بإنشاء ملاعب جديدة تتسع لـ 70 ألف متفرج، فيما يعمل نادي روما على تحديث ملعبه القائم.
وفي إسبانيا، يسعى نادي برشلونة إلى تطوير ملعبه الشهير “كامب نو” بإضافة مقاعد لكبار الزوار وسقف متحرك، بالإضافة إلى إنشاء متحف ومتجر جديدين، بهدف جذب استثمارات تقدر بـ 1.8 مليار يورو.
التمويل الطويل الأجل: الرهان الجديد للأندية الأوروبية
تستلهم الأندية الأوروبية نموذج التمويل الأمريكي، حيث تحولت الملاعب إلى مراكز ترفيهية متكاملة.
ورغم غياب الدعم الحكومي المباشر مقارنةً بالولايات المتحدة، استطاعت الأندية الأوروبية تحويل ملاعبها إلى أصول مالية مجدية ذات عوائد مستدامة.
ففي برشلونة، تمويل مشروع كامب نو اعتمد على إصدار سندات، بينما استقطب ريال مدريد استثمارات أمريكية ضخمة بلغت 360 مليون يورو لتطوير ملعبه وتحويله إلى وجهة ترفيهية جاذبة.
تحديات البناء والتمويل: بين المخاطر والفرص
رغم الإيرادات الواعدة التي قد تجنيها الأندية من هذه المشاريع الضخمة، إلا أنها تواجه تحديات مالية كبيرة تعوق تنفيذها.
فالعمل في قلب المدن الأوروبية يستلزم تكاليف باهظة وإجراءات تخطيطية معقدة، مما يزيد من طول المدة وارتفاع التكاليف.
وتكمن المخاطر الأكبر في مراحل الإنشاء، حيث قد يؤدي أي تأخير أو تجاوز للميزانية المخصصة إلى أزمة مالية خانقة للنادي.
مثال على ذلك، ارتفاع تكلفة مشروع ملعب إيفرتون الجديد إلى 760 مليون جنيه إسترليني، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام والعمالة في أعقاب جائحة كورونا.
المستقبل: الملاعب وجهات سياحية متكاملة
تسعى الأندية الكروية جاهدة لتحويل ملاعبها إلى وجهات سياحية متكاملة. ففي لندن، يضيف نادي توتنهام مضمار سباق سيارات فورمولا وان، بينما يبني مانشستر سيتي مجمعًا ترفيهيًا ضخمًا يضم فندقًا وساحة موسيقية تتسع لأكثر من 23 ألف شخص.
ويشير كريستوفر لي، مدير شركة تصميم الملاعب “بوبولوس”، إلى أن المشجعين لم يعودوا مجرد متفرجين، بل أصبحوا يبحثون عن تجربة شاملة، وإذا لم توفرها الأندية، فسيبحثون عنها في أماكن أخرى. لذا، يجب أن تتجاوز الملاعب المستقبلية دورها التقليدي كأماكن لمشاهدة المباريات.
في النهاية، يبدو أن أندية أوروبا الكبرى باتت على أعتاب حقبة جديدة، حيث لم تعد ملاعب كرة القدم مجرد ساحات للعب، بل تحولت إلى مشاريع اقتصادية متكاملة تشكّل مستقبل الأندية الأوروبية الكبرى.
وسعي الأندية إلى تطوير هذه المنشآت يهدف إلى تعزيز مكانتها التنافسية وزيادة إيراداتها، بعيداً عن الاعتماد التقليدي على حقوق البث والإعلانات.
ومن المتوقع أن تتطور هذه الملاعب لتصبح مراكز عالمية للترفيه تجمع بين الرياضة والسياحة والثقافة، مما يفتح آفاقًا جديدة لنمو صناعة كرة القدم واندماجها مع الاقتصاد.