انتهت المواجهة الأولى بين مجلس النواب والحكومة. المواجهة الثانية ستبدأ قريبًا في مناقشة الموازنة العامة.
لم تكن الحكومة المستمع الوحيد لخطابات النواب، مثلما أن النواب لم يكونوا وحدهم من استمعوا إلى بيان الثقة، ثم إلى رد رئيس الوزراء على مناقشتهم.
الشعب الأردني، وبعض المهتمين من داخل الأردن وخارجه، كانوا يستمعون ويشاهدون ويراقبون.
لست في وارد مناقشة المضمون الذي استغرق الإدلاء به طوال ثلاثة أيام متتالية، فأي برنامج تقني قد يحصر عدد الكلمات، والجمل، والتكرار، والإطالة، والمشتركات، والقضايا العامة التي طرحت.
ولست كذلك في وارد نقد توجهات فردية أو حزبية، أو ألفاظ ومواقف لاقت رواجًا في بعض وسائل الإعلام، والكثير من رسائل التواصل الاجتماعي.
الأهم من كل ذلك: هل كان النقاش العام في مستوى هموم الداخل والتحديات الآتية من الإقليم والعالم؟ وهل خرجنا في النقاش العام من مربع عرض الحال، وهو أمر مشروع للعديد من النواب الجدد والأحزاب الجديدة، إلى عرض واقع الحال الوطني؟
الأهم هو إن كانت جلسات الثقة قد أحدثت تغييرًا إيجابيًا، ولو بالحد الأدنى، في صورة مجلس النواب أمام الرأي العام.
في الخطوات الأولى لتنفيذ مخرجات منظومة التحديث السياسي التي أنتجت مجلس النواب الجديد، نص القانون على أن يضم ثلاثين في المئة من النواب الحزبيين كحد أدنى، ثم تبين أن عددهم أكبر بكثير، فقد كان القصد مزيدًا من تمكين السلطة التشريعية، وهي السلطة الأولى وفقًا للدستور الأردني.
من غير الممكن تطوير المنظومة السياسية وتصعيد العمل السياسي البرلماني الحزبي من دون مجلس نواب يشرع ويراقب بكفاءة، وحكومة تتعاون بشكل وثيق مع المجلس وكتله الحزبية ولجانه النيابية، مع مراعاة الفصل المرن بين السلطتين.
في مجلس النواب الحالي، ومما ظهر خلال المناقشات صور ومواقف ونذر انفعالات وتمترس ومزاودات، ظهر الكثير منها في مجالس سابقة.
هي حال برلمانات سابقة، مثلما أنها أحوال برلمانات كثيرة حول العالم تشهد مثل هذه المظاهر.
سنشاهد الجولة الخطابية الثانية قريبًا في مناقشة الموازنة العامة، مطالبات بخفض المديونية وترشيد الإنفاق ومطالبات بزيادة الإنفاق في الوقت ذاته.
ندرك جميعًا أننا نواجه ظروفًا اقتصادية صعبة، وظروفًا سياسية وأمنية متفاقمة من حولنا لا نعرف مآلاتها في المديين القريب والمتوسط، وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة علينا.
نخوض معارك ضارية ضد المخدرات وتهريب السلاح ومحاولات العبث بأمننا يوميًا، إذ يقف جيشنا سدًا منيعًا ويحرس حدودًا تبلغ مئات الكيلومترات، وتبذل أجهزتنا الأمنية جهودًا جبارة في معالجة آثارها محليًا.
العدوان الإسرائيلي مستمر على أهلنا في فلسطين ولبنان، وأطماعه تتجاوز عدوانه المستمر منذ أكثر من عام.
منطقتنا تعيش الكثير من الكوارث، والعالم يعيش حروبًا واصطفافات واستقطابات، وسندخل العام الجديد بمزيد من الأزمات.
متانة السلطتين التشريعية والتنفيذية وتعاونهما إحدى الضمانات الأساسية لتماسك الدولة والمجتمع، أي لقوة الجبهة الداخلية في الوقوف خلف قيادتنا الحكيمة في سعيها لحماية الوطن من الأخطار وإسناد الأشقاء العرب، وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني الشقيق وقضيته المقدسة العادلة.