هناك وجبة غذائية تعلمت تناولها مؤخرا، وهي وجبة (الكسالى).. واسمها (اندومي) أو معكرونه.. مجرد علبة تقوم بفتحها، والبهارات جاهزة تسكبها ثم تضع الماء المغلي وتلتهمها.. بصراحة أولادي علموني عليها، وهي توفر عليك عناء تسخين الطعام وعناء قلي البيض أو فتح علب السردين..
أنا الآن ما زلت في طور التعلم، أحياناً أشعر بأني ما زلت طفلا يحبو نتيجة (الشرشرة).. فالماء يسيل على قميصي، وأحياناً على الأرض.. وفي بعض المرات تنزلق العلبة من يدي وينسكب الماء الساخن على جسدي.. وفي بعض المرات تشعر بالملل من الأمر وتقوم بفتح الشباك ورمي العلبة كاملة.
حين أعود في الليل.. أولادي أنفسهم صاروا يعرضون عليَّ إعداد (الأندومي).. ويجلسون من أجل مراقبتي وأنا أتناولها، كنت في البداية افضل التهامها مع الخبز لكنهم أكدوا لي أن هذا الأمر يتعارض مع الوجبة ذاتها، وأحيانا كنت أشرب بعض الماء الموجود فيها ويضحكون.. تبين لي أن تناول (الأندومي) بالنسبة إليهم يشبه مراقبة مسرحية لعادل إمام..
مشكلة هذه الوجبة أنك لا تشبع في ذات الوقت لا تبقى جائعا، وتحاول أن تقنع نفسك بأنها وجبة خفيفة تساهم في إزالة (الكرش)، لكنك تنام والجوع يداهمك.. بصراحة متناهية هذه الوجبة جعلت مجسات الجوع عندي ملتبسة، وفي ذات الوقت جعلت مجسات (الشبع) ملتبسة أكثر.
البارحة جاء الأولاد لي بعلبة (اندومي).. تشعر أحيانا وأنت تتناولها، كأنك تقوم بلظم خيوط (فتلة) في فمك.. تشعر كأنك تقوم بتفكيك خيوط (جرزاية) صنعت من الصوف.. لا أعرف الشعور، ولكني على الفور رميتها.. وقمت بتسخين الرشوف وتناولت كمية هائلة بمصاحبة البصل والخبز والفجل..
المشكلة ليست في (الأندومي) المشكلة فينا نحن فأنا من جيل (الغماس).. جيل خبز (الشراك).. جيل الفاصولياء.. بكل اشتقاقاتها اليابسة والخضراء، جيل الملوخية.. والباميا.. كيف تسللت هذه الوجبات لحياتي؟
أنا في هذه الدنيا أشبه من أعطوه على جوع وصيام، علبة (اندومي).. لا هو شبع منها ولا هو بقي جائعا.. لا هو عرف طريقة أكلها، ولا هو استمتع بطعمها.. وفي النهاية قالوا عنها (وجبة).. هذا زمن (الأندومي).