عروبة الإخباري –
تمرّ الأيام، وتزداد جراح الوطن اتّساعاً مع كل لحظة نزفٍ في حربٍ يبدو أنها لن تنتهي قريباً، إلا بإرادةٍ حقيقيةٍ تعيد الأمور إلى نصابها، وبعد 66 يوماً مضت منذ اندلاع الحرب اللبنانية مع الاحتلال الإسرائيلي، تلك الحرب التي كشفت عن حجم التحديات والرهانات.
لا تزال جراح الوطن تنزف، والشعب اللبناني يواجه تحدياتٍ كبيرة جراء استمرار العدوان، ومع تزايد التصعيد، تتضارب الأصوات بين من يدعو إلى مزيد من المقاومة ومن يسعى لتغذية الصراع لأغراض سياسية ضيقة. لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن لبنان لا يحتمل المزيد من الحروب أو المغامرات. فالبلاد بحاجة إلى سلام حقيقي، ولمن يريد الحرب لأهدافه الشخصية، فليذهب إلى حيث يجب أن يكون، دون أن يعرض لبنان وأهله لمزيدٍ من المعاناة.
ويتضح أن المعركة ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل اختبار لصمود شعب ووحدة وطن. وسط هذا المشهد المشتعل، تظهر دعوات تصعيدية تدفع لبنان نحو مزيدٍ من الدمار، متجاهلةً آلام الناس ومصيرهم. لكن الحقيقة واحدة: من يريد الحرب ويختار طريقها، فليذهب إليها وحده، ولا يجعل من لبنان ساحةً لصراعات ومصالح لا تنتمي له.
ليست الحرب الجديدة سوى حلقة في سلسلة طويلة من الاعتداءات الإسرائيلية على الأرض والشعب اللبناني. تتذرع إسرائيل بحججٍ واهية لتبرير حربها، ولكن الحقيقة جلية: إنها سياسة توسعية وعدوانية تهدف إلى ضرب استقرار لبنان واستنزاف موارده وإرادته.
ما يميز هذه الحرب هو استهدافها المباشر للبنية التحتية والمدنيين. صواريخ الاحتلال لا تفرّق بين بيتٍ ومخبزٍ، بين مدرسةٍ ومستشفى. العدو يريد زرع الخوف، لكنه يواجه شعباً قرر منذ البداية ألا يستسلم، وأن يجعل من كل بيت حصناً ومن كل ميدان منبراً للمقاومة.
فمنذ اندلاع الحرب، برزت أصواتٌ داخلية وخارجية تدعو للتصعيد أو تستخدم الوضع كفرصة لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة. هؤلاء، سواء كانوا من الداخل أو الخارج، يتحدثون عن الحرب وكأنها لعبة أو أداة لتحقيق طموحاتهم الشخصية أو الأيديولوجية.
الحرب ليست خياراً يُستهان به، إنها جحيمٌ يُلقي بظلاله على الجميع، وعلى من يريد القتال من أجل أجنداته الخاصة، فليذهب بنفسه إلى الميدان، وليواجه نتائج خياراته، ولا يجرّ شعباً بأكمله إلى أتون صراع قد لا ينتهي. لبنان لا يتحمل مغامرات جديدة، فالناس قد سئموا الوعود والشعارات الفارغة التي لا تجلب إلا المزيد من المعاناة.
إن أصوات الحرب لا يمكن أن تعلو على صوت العقل. لا يمكن لأي أمة أن تبني مستقبلها وهي غارقة في صراعات لا نهاية لها. لبنان بحاجة إلى وحدة داخلية حقيقية تُغلّب المصلحة الوطنية على الحسابات الضيقة، وإلى موقفٍ صلب يعيد الحق لأصحابه دون أن يتحول إلى وقود في صراعات الآخرين.
علينا أن نقف معاً لإيقاف النزيف، لأن الحرب ليست حلاً. الحرب دماء ودموع، أما السلام فهو الخيار الذي يعيد الحياة إلى طبيعتها، ويمنح الوطن فرصة جديدة للعيش بكرامة. لكل من يريد أن يخوض حرباً من أجل مصالحه، نقول: فلتذهب وحدك ولا تعود. لبنان ليس ملعباً للمغامرات، بل وطنٌ يريد الحياة.